أحيت يريفان أمس، الذكرى المئوية الأولى لمجازر الأرمن في السلطة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، داعية تركيا الى التعبير عن «رسالة أقوى» تتيح «تطبيع العلاقات» بين الجانبين. لكن أنقرة التي ترفض اتجاهاً متزايداً في العالم الى اعتبار المجازر «إبادة»، نظّمت احتفالات بالذكرى المئوية الأولى لمعركة «غاليبولي»، مندّدة باستغلال القضية الأرمنية ل «تشويه صورتها». احتفالات 24 نيسان (أبريل) تحيي ذكرى احتجاز 250 من المثقفين الأرمن، في ما يُعتبر الخطوة الأولى لمقتل حوالى 1.5 مليون شخص، في مجازر وعمليات ترحيل قسري وإعدامات واسعة بدأت عام 1915، بسبب قلق القادة العثمانيين من مساندة الأرمن المسيحيين روسيا، عدوّة السلطنة خلال الحرب العالمية الأولى. لكن تركيا ترفض وصف ما حدث بأنه «إبادة»، وتتحدث عن حرب أهلية في الأناضول رافقتها مجاعة أودت بحياة 300 الى 500 ألف أرمني وعدد مشابه من الأتراك. وشارك مئات آلاف من الأشخاص في يريفان، في إحياء الذكرى عند نصب لضحايا المجازر، فيما نظّمت جاليات أرمنية احتفالات تذكارية في مدن، بينها لوس أنجليس واستوكهولم وباريس وبيروت. وقُرعت الأجراس في كل كنائس أرمينيا، وفي كنائس أرمنية في العالم، فيما لزم الجميع دقيقة صمت. وأعلن رئيس الكنيسة الأرمنية الكاثوليكوس كراكين الثاني، قداسة ضحايا المجازر، وقال خلال قداس في إيتشميادزين على بعد نحو 20 كيلومتراً من يريفان، أمام مبنى يعود الى القرن الرابع ويُعتبر أضخم كاتدرائية في العالم: «أكثر من مليون أرمني رُحِّلوا وقُتِلوا وعُذِّبوا، لكنهم بقوا مؤمنين. اقتُلع شعبنا من جذوره بالملايين، وقُتل عن سبق إصرار وعن عمد، وذاق مرارة التعذيب والحزن». ورأى أن إعلان قداسة الضحايا ليس سوى «اعتراف بالإبادة». وقال فاردوخي شاناكيان (68 سنة) المتحدّر من عائلة تُعتبر من ضحايا المجازر: «ليس هناك أرمني لم يتألّم أجداده، وأرواح ضحايا الإبادة ستجد راحة أبدية الآن». ووضع قادة أجانب، بينهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند، زهرة صفراء في إكليل من ورد على شكل أيقونة، على نصب الضحايا على تلال يريفان. وقال بوتين: «لا شيء يمكن أن يبرّر المجازر الجماعية. نقف بخشوع الى جانب الشعب الأرمني». أما هولاند، فرأى أن تركيا تحدّثت ب «كلام مهم» عن المجازر، مستدركاً: «يُنتظر منها الإدلاء بكلام آخر، ليتحوّل تقاسم الحزن تقاسماً للمصير». وأضاف: «لن ننسى هذه المأساة». ورافق هولاند، المغني الفرنسي - الأرمني شارل أزنافور، الذي انتقد «عناد» الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتبراً أن أنقرة ستُقرّ «يوماً ما» بالمجازر التي وصفها بأنها «وصمة عار ثقيلة، وصمة دم»، «حين تسأم من توجيه اتهامات إليها». وشكر الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان، القادة الحاضرين، مؤكداً أن «أحداً لن ينسى» ضحايا المجازر. وتابع: «من واجبنا الأخلاقي ولزام علينا نحن الأرمن، أن نتذكر 1.5 مليون من الأرمن الذين قُتلوا، ومئات من الآلاف الذين عانوا أهوالاً». وقال سركيسيان لشبكة «سي أن أن تورك» التركية: «آمل بأن يعبّر الرئيس أردوغان عن رسالة أقوى في 24 نيسان، عندئذ يمكن تطبيع العلاقات» بين أنقرة ويريفان. تركيا في اسطنبول، حضر فولكان بوزكير، الوزير المسؤول عن علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، قداساً في مقرّ البطريركية الأرمنية لتكريم ضحايا المجازر، في سابقة لمسؤول في الحكومة التركية. وقال: «نحترم ألم أخوتنا الأرمن. لا نعارض إحياء هذا الألم، وشعرنا بأننا مدينون بحضور القداس». وقال أردوغان إنه «يشارك» الأرمن «ألمهم»، لكنه كرّر رفضه وصف ما حدث بأنه «إبادة»، معتبراً أن «القضية الأرمنية باتت أداة حملة لتشويه صورة تركيا، وهذا مرفوض». وأضاف: «مزاعم الأرمن عن أحداث 1915، خصوصاً أعداد (الضحايا)، بلا أساس. نحن مستعدون لفتح أرشيفنا العسكري، ولا مخاوف لدينا في هذا الصدد. أسلافنا لم يضطهدوا» الأرمن. وفي محاولة للتشويش على احتفالات يريفان، أحيت تركيا على ضفة مضيق الدردنيل، الذكرى المئوية الأولى لمعركة «غاليبولي»، في حضور حوالى 20 زعيماً عالمياً، بينهم ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، ورئيسا وزراء أستراليا ونيوزيلندا. وقال أردوغان: «جميع الجنود الذين شاركوا في المعركة، يستحقون إحياء ذكراهم باحترام وشجاعة». أما رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، فقال: «خضنا حرباً قبل مئة سنة، لكننا الآن مجتمعون لنبني السلام معاً ونرفض خطاب الكراهية». لكن تركيا تلقّت ضربة قوية، إذ صوّت البرلمان الألماني بغالبية ساحقة، على قرار يعتبر مجازر الأرمن «إبادة جماعية»، ما يشكّل تغييراً في موقف برلين، أبرز شريك تجاري لتركيا في الاتحاد الأوروبي، والتي تستقبل جالية تركية ضخمة. وقال رئيس البرلمان الألماني نوربرت لاميرت: «ما حدث في منتصف الحرب العالمية الأولى في الأمبراطورية العثمانية، تحت أعين العالم، كان إبادة جماعية». وكان الرئيس الألماني، يواشيم غاوك، أقرّ ب «الإبادة»، وكشف أن عسكريين ألماناً «شاركوا في التخطيط والتنفيذ الجزئي لعمليات ترحيل الأرمن»، علماً أن السلطنة العثمانية كانت حليفة لألمانيا آنذاك. وفي النمسا التي كانت حليفة للسلطنة، وقف البرلمان دقيقة صمت، ما أغضب تركيا التي انتقدت «إهانة تتعارض مع الوقائع». لكن الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجنّب مجدداً استخدام كلمة «إبادة»، إذ وصف المجازر بأنها «مذبحة مروّعة»، علماً أنه كان تعهّد خلال حملته الانتخابية الاعتراف ب «الإبادة». وزاد: «أرمن السلطنة العثمانية تعرّضوا لترحيل وقتل واقتياد نحو الموت. مُحِيت ثقافتهم وإرثهم في وطنهم القديم. وفي ظلّ عنف رهيب، تخللته معاناة من كل الجهات، توفي 1.5 مليون أرمني».