يُتوقَّع إعلان حركة النهضة التونسية، خلال مؤتمرها العاشر الذي يبدأ اليوم، الفصل بين "الدعوي" و"السياسي" والتحول إلى حزب "مدني"، فيما سيبقى راشد الغنوشي رئيساً لها على الأرجح. واعتبر رئيس مجلس شورى الحركة والنائب عنها في البرلمان، فتحي العيادي، التخصُّص في الشأن السياسي جزءاً من التطور، مُصرِّحاً "نريد أن نتطور مع بلادنا". وشدَّد العيادي، في تصريحاتٍ صحفية، على ضرورة تحرير العمل المجتمعي إلى حدٍّ ما من الضغط السياسي الحزبي. ويؤيد 73% من التونسيين "فصل الدين عن السياسة"، بحسب نتائج استطلاع للرأي أجراه مؤخراً معهد "سيغما" التونسي بالتعاون مع مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية و"المرصد العربي للأديان". وفازت حركة النهضة، التي يرأسها الغنوشي (74 عاماً)، بأول انتخاباتٍ في البلاد بعد ثورة عام 2011. وقادت من نهاية العام نفسه حتى مطلع 2014 حكومة "الترويكا"، وهي تحالفٌ ثلاثي ضمَّ أيضاً حزبين علمانيين هما "التكتل" و"المؤتمر من أجل الجمهورية". واضطرت "الترويكا" إلى ترك السلطة لحكومةٍ غير حزبية؛ بهدف إنهاء أزمة سياسية حادة خلَّفها اغتيال اثنين من أبرز معارضي الإسلاميين ومقتل عناصر من الأمن والجيش في هجماتٍ إرهابية. وفي عام 2014؛ خسِرَت "النهضة" في الانتخابات التشريعية، إذ فاز بها حزب "نداء تونس" الذي أسسه الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، في عام 2012 للوقوف في وجه الإسلاميين وخلق "توازن سياسي". وبعد الانتخابات؛ شكَّل "النداء" و"النهضة" وحزبان صغيران آخران ائتلافاً حكوميّاً رباعيّاً، ما أثار غضب قواعد الحركة الإسلامية المعارضين لحزب السبسي. وذكر الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا الإيطالية، حمزة المؤدب، أن "النهضة من دون شك لاعبٌ أساسي في الساحة السياسية التونسية". ولاحظ أنها "ظلَّت موحدة وحافظت على تماسكها رغم المصاعب (..) والانقسامات الموجودة داخلها". وستفتتح الحركة مؤتمرها مساء الجمعة في رادس قرب العاصمة. وسيواصل نحو 1200 من الأعضاء أشغالهم السبت والأحد في مدينة الحمامات (60 كلم جنوب العاصمة). ومن المنتظر إعادة انتخاب الغنوشي رئيساً للحركة مثلما حدث في آخر مؤتمر عام 2012. وعلَّق مصدر دبلوماسي أوروبي "لا يوجد أحد لخلافته، والمسألة لم تُطرَح بعد". ورأى المصدر في الفصل بين العملين الدعوي والسياسي رغبةً في إخراج عددٍ من الجمعيات من "حضن النهضة" و"عدم عقد اجتماعات سياسية حول مسائل مجتمعية وثقافية ودينية"، متابعاً "لدى الغنوشي شبه هاجس بإقناع الشركاء الغربيين أن النهضة ليست الإخوان المسلمين". في الإطار ذاته؛ يوضِّح حمزة المؤدب "بعد هذا المؤتمر؛ لن تكون هناك حركة النهضة التي بُنِيَت في السابق على نموذج إخواني مع فروع ناشطة في العمل الاجتماعي والتربوي والخيري والديني والسياسي، لن يكون هناك إلا حزب النهضة، الحزب الذي يريد أن يكون مدنيّاً وديموقراطيّاً مع الحفاظ على المرجعية الإسلامية". وعلَّق نائب رئيس الحركة، عبدالحميد الجلاصي، قائلاً "كان المنتمون للنهضة يمارسون السياسة في كل المجالات مثل الدفاع عن حقوق الإنسان والنقابات والكشافة، لكن بعد الثورة لم تعد هناك ضرورة للتخفي أو القيام بالسياسة بشكل سري". في المقابل؛ لا تثق أوساط سياسية وإعلامية في تصريحات قياديي "النهضة" المتعلقة بتحويلها إلى حزب مدني بعد مؤتمرها العاشر. وكتب موقع "حقائق أونلاين" التونسي أمس "ينظر المتابعون للشأن السياسي إلى هذا المؤتمر (..) بنوع من الشغف والريبة في آن واحد، الشغف بسبب معسول الكلام الذي يروِّجه قادتها في الصحف وفي كل البرامج التلفزيونية والإذاعية، والرّيبة بالنظر إلى تاريخ الحركة المتلوِّنة بتلوُّن الظروف السياسية والأوضاع الإقليمية". ودعت جريدة "الشروق" اليومية الحركة إلى "تحقيق ما وعدت به من فصلٍ بين الدعوي والسياسي على أرض الواقع وعدم إبقائه حبراً على ورق، وإثبات حسن نياتها والابتعاد أكثر ما يمكن عن منطق المناورة". ولا تزال الحركة تواجه اتهامات بالعمل على "تغيير نمط المجتمع" و"التراجع عن المكاسب الحداثية التي راكمتها المرأة منذ الاستقلال" وأيضاً ب "التساهل" عندما كانت في الحكم مع جماعات جهادية تصاعد عنفها بشكل لافت اعتباراً من عام 2013.