وصل المرشح الجمهوري لرئاسة أمريكا، دونالد ترامب، إلى واشنطن أمس سعياً للمصالحة مع قادة حزبه، في وقتٍ أظهر فيه استطلاعٌ زيادة التأييد لقُطب العقارات ليتساوى تقريباً مع هيلاري كلينتون. ولا يزال قادة «الجمهوري» يترددون في دعم المليادير ترامب في سباقه نحو البيت الأبيض، بعد انتخاباتٍ تمهيديةٍ تركت جروحاً لم تلتئم بعد. ووصل موكب المرشح، في التاسعة من صباح الخميس، إلى مقر الحزب. وعلى بُعدِ بضع خطواتٍ؛ أحيط مبنى الكونجرس بعشرات الكاميرات والصحفيين؛ حيث كان ترامب على موعدٍ مع رئيس مجلس النواب، بول راين. واستغل نحو 10 محتجين الفرصة، وتظاهروا حاملين لافتات كُتِبَ عليها «ترامب عنصري». واعتبر أحد المتظاهرين، ويُدعى دينيس رودريجيز (18 عاماً)، أن «الحزب الجمهوري ترك رجلاً من دون قيمة أو كرامة أو أخلاق في موقع سلطة». ولا يسعى ترامب، المتمرس في العقارات والإعلام، للحصول على وحدة صفٍ حزبيةٍ ظاهريةٍ فحسب، فالخلافات عميقة سواءً على الصعيد المالي أو السياسي. مالياً؛ يتحتم على الحزب جمع مئات ملايين الدولارات. وسياسياً؛ يخشى الجمهوريون من فقد أغلبيتهم في الكونجرس. وفاجأ راين، وهو أربعيني محافظ، الأوساط السياسية الأسبوع الماضي حين أعلن عدم استعداده في الوقت الحاضر لدعم ترامب، في تصريحٍ كان له وقع قنبلة. ويترأس راين أيضاً مؤتمر الحزب الجمهوري الذي يُعقَد في كليفلاند بين 18 و31 يوليو المقبل ويشهد تسمية المرشح الرسمي للرئاسة. وأبلغ ترامب شبكة «فوكس نيوز» التليفزيونية بقوله «أكن كثيراً من الاحترام لبول راين». واستدركَ «المهم أنه لم يسبق لأحدٍ في تاريخ الحزب الحصول على عدد الأصوات الذي حصلت عليه في الانتخابات التمهيدية». وعلى عكس موقف رئيس «النواب»؛ يحظى المرشح المثير للجدل بدعم رسمي من رئيس اللجنة الوطنية الجمهورية، راينس بريباس، وزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل. لكن المصالحة داخل الحزب ستستغرق وقتاً، نظراً إلى عمق الخلاف. وفي ديسمبر الماضي؛ دعا ترامب إلى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة، وهو ما ندد به راين بشدة قائلاً «هذا ليس النهج المحافظ». وصرَّح راين الأربعاء بقوله «بعد انتخاباتٍ تمهيديةٍ صعبةٍ للغاية لم تنته سوى الأسبوع الماضي؛ الادعاء بأننا موحدون من دون أن نكون كذلك حقاً سيقودنا إلى حملة فاترة في الخريف». لكنه تعهد بالعمل من أجل توحيد صفوف الحزب، وقال «هذه الانتخابات أهم من أن نخوضها بصورة فاترة». وبعدما طُرِحَت فكرة تقديم مرشح من خارج السباق لإنقاذ صورة الحزب المحافظ؛ بات ذلك مستبعداً في المرحلة الراهنة. ويرى القادة الجمهوريون أن حزبهم سيخسر أكثر إن استمروا في تقسيمه بدل الالتقاء حول ترشيح قطب العقارات ولو شكلياً. والمشكلة المطروحة الآن على مسؤولين أمثال ميتش ماكونيل هي كيف يمكن إنقاذ ما تبقَّى والحفاظ على الغالبية الجمهورية الضئيلة في مجلس الشيوخ. ويعرب ماكونيل منذ أشهر عن أمله في الوصول إلى مرشح حزبي توافقي، حتى ينعكس التأييد له على مرشحي «الشيوخ» الذين سيُدرَجون على بطاقات الاقتراع الرئاسية في ال 8 من نوفمبر المقبل. وإن كان فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية شكَّل خيبة أملٍ واضحةٍ لماكونيل، إلا أنه اختار مُرغمَاً دعمَه، وشدَّد الثلاثاء «ندرك أن هيلاري كلينتون ستعني 4 سنواتٍ إضافيةٍ من رئاسة باراك أوباما، وهذا سيكون كافياً لتوحيد أعضاء حزبنا». ويلجأ عديدون إلى التقليل من خطورة الوضع، ويقولون إن أمام الحزب الجمهوري أكثر من شهرين للتحضير لمؤتمر كليفلاند و6 أشهر تفصل عن الانتخابات. وتساءل سيناتور أيوا، تشاك جراسلي (82 عاماً)، «لا أفهم لماذا كل هذا اللغط بعد أسبوع على فوز مرشح بالترشيح؟». وقال السيناتور، الذي انتُخِب في مجلس الشيوخ عام 1987 بالتزامن مع انتخاب رونالد ريجان رئيساً، إن «الأمور في السياسة تستتب دائماً في نهاية المطاف، تذكَّروا، كان الجميع يعتقد أن ريجان سيقودنا إلى الهزيمة». وفي بيانٍ مشترك بعد اجتماعهما الأول من نوعه؛ تحدث ترامب وراين بنبرة إيجابية، وأكدا اتخاذ خطوات إيجابية نحو توحيد الصفوف بعد «نقاشٍ ممتاز». وجاء في البيان «رفم أننا كنا صريحين بشأن الخلافات المحدودة بيننا؛ إلا أننا سلَّمنا بوجود مناطق عديدة وهامة للاتفاق» و«كان هذا اجتماعنا الأول لكنه خطوة إيجابية جداً نحو توحيد صفوف الحزب». وعقَّب راين في تصريحٍ لاحق بأن الاجتماع كان مشجعاً جداً، وإن أقرَّ بحاجة عملية توحيد الصفوف إلى وقت. من جهته؛ لم يستبعد السياسي الجمهوري المخضرم، نيوت جنجريتش، احتمال ترشحه لمنصب نائب الرئيس. لكنه أقرَّ بأن ترامب لديه شخصيات أخرى عديدة للاختيار من بينها. وأبلغ جنجريتش قناة «فوكس نيوز» بقوله «حتماً سأتحدث بشأن هذا الاحتمال، لن أرفضه بشكل تلقائي». ولأنه رئيس سابق لمجلس النواب؛ فإنه يفي بأحد الشروط الأساسية التي حددها ترامب للمنصب، وهو قدرة نائبه على المساعدة في تمرير القوانين في الكونجرس. وخاض جنجريتش سباق الترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب في عام 2012. لكنه خسر أمام المرشح آنذاك، ميت رومني. وكان ترامب قال إنه قلَّص قائمة المرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس إلى 5 أو 6 أسماء. وخلال مقابلته مع «فوكس نيوز»؛ رأى جنجريتش أن الحاكم السابق لتكساس، ريك بيري، والحاكم السابق لأوهايو، جون كاسيك، مرشحان قويان للمنصب. بينما استبعد كاسيك، الذي انسحب الأسبوع الماضي من سباق الترشح للرئاسة عن «الجمهوري»، العمل مع ترامب. أما بيري فأكد رغبته في الترشح لنيابة الرئيس، وأعلن تأييده لمرشح الحزب. في سياقٍ متصل؛ أظهر استطلاعٌ للرأي أجرته «رويترز» بالتعاون مع مؤسسة «إبسوس» زيادة التأييد لترامب الذي بات يتساوى تقريباً مع المرشحة الديمقراطية المحتملة كلينتون. والنتيجة مؤشر مبكر على سخونة متوقعة في انتخابات الرئاسة، وهو ما يخالف توقعات أوَّلية. وبعدما تخلَّف عن كلينتون في استطلاعات للرأي على مدى أسابيع؛ أظهر الاستطلاع الأخير ارتفاع نسبة التأييد للملياردير؛ بعدما فاز فعلياً بترشيح حزبه حين انسحب منافساه المتبقيان تيد كروز وجون كاسيك. وأفادت «رويترز» و»إبسوس» بتأييد 41% من الناخبين المحتملين لوزيرة الخارجية السابقة. بينما يؤيد 40% ترامب، فيما لم يحسم 19% أمرهم. وأُجْرِي الاستطلاع عبر الإنترنت، وشمِلَ 1289 شخصاً على مدى 5 أيام بهامش خطأ 3 نقاط مئوية. وفي استطلاع مماثل أجرته «رويترز» و»إبسوس» في 5 أيام سابقة حتى ال 4 من مايو؛ حصلت كلينتون على تأييدٍ بلغ 48%، بينما حصل ترامب على 35%. ويحقق المرشحان البارزان نتائج جيدة في استطلاعات الرأي بين الناخبين المؤيدين للحزبين الرئيسين. لكن الناخبين المستقلين ما زالوا يعبرون عن حيرتهم بشأن من سيدعمون. وأكد 38% في الاستطلاع الأخير أنهم ليسوا متأكدين من نواياهم التصويتية. وبعيداً عن الاستطلاعات؛ سيكون تغيُّر التركيبة السكانية أحد أهم العوامل في السباق الرئاسي، مع تسجيل مزيدٍ من الناخبين المنتمين إلى الأقليات أسماءهم للإدلاء بأصواتهم. وقد يلعب التسجيل المتزايد لذوي الأصول اللاتينية دوراً في ميل الكفة لصالح وزيرة الخارجية السابقة. وكانت كلينتون خسرت الثلاثاء في الانتخابات التمهيدية لحزبها في وست فيرجينيا أمام بيرني ساندرز، ما يشير إلى مشكلات محتملة قد تواجهها مستقبلاً في الولايات الصناعية. وسخر ترامب منها في الأيام القليلة الماضية، قائلا إنها «لا تستطيع الفوز على منافسها في التمهيديات السيناتور ساندرز. لكنها واقعياً ما زالت تتوفق على الصعيد الحزبي. في غضون ذلك؛ بات صعود ترامب يشكِّل مستوى عالياً على غير المعتاد من الغموض بالنسبة للمستثمرين وللشركات، وهو ما قد يمثِّل ضغطاً على الاقتصاد وخطط مجلس الاحتياطي الاتحادي لرفع أسعار الفائدة هذا العام. ودائما ما يصاحب الغموض الانتخابات. وسبق لمجلس الاحتياطي (البنك المركزي الأمريكي) رفع أسعار الفائدة خلال مواسم انتخابية. لكن اقتصاديين يقولون إن احتمال وصول ترامب إلى البيت الأبيض يمثل تصاعداً للمخاطر بسبب السياسات غير التقليدية التي اقترحها وغياب التفاصيل عن كيفية تحقيقها. وأثار المرشح الجمهوري، الذي وعد بجعل أمريكا «بلداً عظيماً من جديد»، المخاوف من نشوب حرب تجارية بقوله إنه سيفرض رسوماً كبيرة على الواردات من الصين والمكسيك. كما وعد بترحيل 11 مليون مهاجر غير مسجلين في الولاياتالمتحدة، واقترح التخلف عن سداد جزء من الدين الأمريكي لكنه عاد وتراجع عن هذا الأمر. ويؤكد مسؤولو مجلس الاحتياطي الاتحادي تحاشيهم مناقشة السياسة الداخلية في اجتماعات تحديد أسعار الفائدة. وتُظهِر محاضر اجتماعات سابقة لبحث السياسات خلال أعوام الانتخابات أن الغموض السياسي يمثل عنصراً في توجُّه المسؤولين، فيما لم يوجد نمط واضح لميلهم سواءً لتيسير أسعار الفائدة أو رفعها خلال الفترة التي تسبق الاقتراع. وفي تعليقات خلال الآونة الأخيرة؛ سلَّم بعض المسؤولين في مجلس الاحتياطي بأن التصريحات التي يطلقها الساسة خلال حملات الدعاية الانتخابية قد يمتد أثرها إلى الاقتصاد. وصرَّح رئيس بنك دالاس الاحتياطي الاتحادي، روبرت كابلان، بأنه «إذا بدأ المستهلكون يقللون إنفاقهم أو يتوقفون قليلاً عن الإنفاق بسبب التصريحات السياسية، فعليَّ أخذ ذلك في الاعتبار». وسُئِل عن رأيه فيما اقترحه ترامب؛ فقال «إذا كان لدي رأي فلن تعرفوه قط، لن أسمح قط لذلك بالتسرب إلى عملي». في ذات الإطار؛ رأى رئيس بنك أتلانتا الاحتياطي الاتحادي، دينيس لوكهارت، أن «من الإنصاف القول إن الانتخابات قد تكون عاملاً في الاقتصاد هذا العام». وفي الشهر الماضي؛ أبقى مجلس الاحتياطي على أسعار الفائدة في نطاق 0.25- 0.50%، وأشار إلى عدم تعجله رفعها مرة أخرى قريباً استناداً إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي رغم تحسن سوق العمل. وفي مارس؛ توقع المسؤولون عن رسم السياسات في المجلس رفع أسعار الفائدة مرتين هذا العام بعد رفعها في ديسمبر الماضي للمرة الأولى في نحو 10 سنوات. وكثيراً ما استندت رئيسة «الاحتياطي الاتحادي»، جانيت يلين، وغيرها من المسؤولين في المجلس إلى الغموض الذي يكتنف الآفاق الاقتصادية والسياسية كأحد العوامل المؤثرة في قرارات أسعار الفائدة. ويُعدُّ مؤشر «في. آي. إكس» لتقلبات أسواق الأسهم من المؤشرات التي يتابعها المجلس لقياس الغموض. ومن المقاييس الأخرى المستخدَمة مؤشر «نيك بلوم» الذي عُرِضَ على يلين واقتصاديين آخرين في إبريل من العام الماضي. ويُحلِّل المؤشر، المسمى باسم أستاذ في جامعة ستانفورد الأمريكية، التغطية الصحفية للغموض الاقتصادي. وأوضح بلوم في مقابلةٍ صحفية «عندما يكون الغموض شديداً؛ تجمِّد الشركات قرارات تعيين الموظفين والاستثمار، وإذا بدا أن ترامب مرشح جاد وظلَّ مع ذلك يواصل الإدلاء بتصريحات عن الجدار المكسيكي والاغتصاب التجاري؛ فسيصبح لدينا أشد الغموض فيما يتعلق بالسياسات حتى الانتخابات».