الرؤية السعودية 2030 التي قدمها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد رئيس المجلس الاقتصادي التنموي السعودي، هي رؤية قوية وطموحة، ومنذ أن وافق مجلس الوزراء عليها وأرباب القلم يكتبون ويحللون ويناقشون الأفكار المطروحة في الرؤية من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية. لاشك في أن الرؤية تستلهم قوتها من المرتكزات الأساسية في العوامل الثلاثة التي حددتها لتعبِّر عن طموحات الوطن بأكمله حكومة وشعباً، وتعكس قدراته ومقدراته ومكتسباته لتحقيق الأهداف وتنفيذ الالتزامات، فوجود الحرمين الشريفين قبلة أكثر من مليار مسلم في العالم يمثل العمق العربي والإسلامي، كما أن السعودية تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، ستكون محركاً لاقتصادها، ولها موقع جغرافي استراتيجي متميز، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، فهذه العوامل تشكل مرتكزات الرؤية التي تستشرف آفاقها، وترسم ملامحها، مع وجود ثروات سخية غير النفط، وأهم من هذا كله وجود شعبٍ محبٍّ لوطنه، معظمه من الشباب الطموح القادر على التميز. مقالتي اليوم تحاور الجانب الثقافي في الرؤية حيث تقول: "تُعدّ الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة، وندرك أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حالياً لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه؛ لذلك سندعم جهود المناطق والمحافظات والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، ونفعِّل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، ليتمكن المواطنون والمقيمون من استثمار ما لديهم من طاقات ومواهب، وسنشجع المستثمرين من الداخل والخارج، ونعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، ونخصص الأراضي المناسبة لإقامة المشاريع الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف ومسارح وغيرها، وسندعم الموهوبين من الكتَّاب والمؤلفين والمخرجين والفنانين، ونعمل على دعم إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافة، ولن يقتصر دور هذه المشاريع على الجانب الثقافي والترفيهي، بل ستلعب دوراً اقتصادياً مهماً من خلال توفير عديد من فرص العمل". عاش المجتمع السعودي خصوصية تامة مع الأجيال السابقة، وسيحتفظ بخصوصيته في جوانب مهمة، لكن لابد من فتح صدره لمتطلبات العصر الحديث، وتصحيح الصورة النمطية السلبية في الذهن العالمي الذي مازال يرى أن السعودية صحراء وجِمال، ولأن المملكة دولة مكتملة الأركان، فهي تعيش الحاضر والمستقبل بروح الشباب الطموح، وهذا ما تحتاجه الأجيال اللاحقة بحسب ما تراه الرؤية لتحقيق أكبر قدر من رفاهية المواطن خلال الأعوام القليلة المقبلة، ونحن على ثقة تامة في أن تحقيق الرؤى يتطلب إخلاصاً في التنفيذ، ومتى تحقق الإخلاص تحقق الهدف. لا يختلف اثنان على أن الرؤية أعطت بُعداً رسمياً للشأن الثقافي الذي كان يفتقده، فالآمال واسعة والطموحات عريضة بأن تقفز الثقافة السعودية إلى مراكز متقدمة عالمياً بما يتوافق مع مكانة المملكة السياسية والاقتصادية، وعلى القطاع الخاص أن يتخلى عن سياسته القديمة التجارية البحتة، على الرغم من مشروعيتها، ليساهم مساهمة فاعلة في دعم الأنشطة الثقافية المجتمعية، وتطوير المراكز الثقافية والترفيهية والسياحية لمواكبة العصر.