حدثنا أبو المهند يوما فقال: عصفت بي أفكاري في كثرة سفري وترحالي، فقد كنت أعمل في التجارة، ولم أواجه قط خسارة، فقد جمعت من المال الكثير، وكان يكفيني منها النذر اليسير، فتكدست الأموال في البنوك، وامتلأت الخزائن بالصكوك. أما الأسهم فلا استطيع أن أحصيها، و كنت أتناسى أن أزكيها. أما العقارات فلي منها في كل القارات. لقد ضاع عمري في جمع المال، فلم أجد بداً من محاسبة النفس بالسؤال، عن كل قرش جمعته أحرام أم حلال. فاتخذت قراري على عجل، دون تواني أو وجل. فجمعت حقائبي للسفر، لكثرة ما أحسست به من ضجر. فأبنائي بحاجة إلى الاهتمام و السؤال، سواءً في الحلّ أو الترحال. فقررت عند وصولي أن أفتح معهم قنوات للحوار، و احتسبته نوعاً من الاستثمار. بدأت بالتعليم، لكونه الأساس في التقويم. وبه يكون البناء، والتقدم و النماء. فبادرني أوسطهم على استحياء، بسؤال ينم عن الذكاء و الدهاء. فقال: أتعرف في أي المراحل الدراسية نحن؟ فأحرجت حرجاً كبيرا، فقال لي لا عليك، فالكبار منا فاشلون ومن الجامعات مطرودون، أما الباقون فهم حائرون وعن مستقبلهم تائهون. فأخبرنا ما أنت فاعل لكي نرى مستقبلا زاهرا. قلت في نفسي لابد من تغيير السؤال، و النظر في موضوع آخر للحوار، فباغتهم بسؤال عن المصروف و الأحوال، فتبرم أصغرهم و أشار إلى أكبرهم، و قال: هذا هو الهامور،هذا الذي لا يبقي لنا من المصروف، فهل أخبرتنا عن خطتك الاستراتيجية لحل مشاكلنا الاقتصادية؟ فلم أستطع الاحتمال من فرط ماهم فيه من سوء الحال، فقلت لهم كما قال زين العبدين بن علي: لقد أمضيت عمري في خدمتكم، و الآن فهمتكم، و فهمت مطالبكم، ومن اليوم فلن أفارقكم، و سأنفذ كل مطالبكم، و سأسعى لتحقيق أحلامكم، فأنتم استثماري الحقيقي، و فيكم أرى مستقبلي و مصيري. ما قام به أبو المهند هو الصواب، لإصلاح ما في البيت من خراب، فهذا هو التفكير الصحيح، حتى وإن مضى عليه وقت التصحيح. وهي الخطوة الصحيحة السليمة، كي لا تكون الأسر سقيمة.