قُتِلَ 19 مدنيّاً عندما شنَّ جيش بشار الأسد أمس نحو 14 غارة جوية على مدينة حلب، في وقتٍ أفيد بسقوط طائرة حربية للنظام قُرب دمشق. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 19 شخصاً على الأقل وجرح عشراتٍ آخرين إثر 14 غارة شنَّها الطيران الحربي للنظام على أحياءٍ في حلب (شمال) خاضعةٍ لسيطرة فصائل معارِضة. وروى شاهد عيان أن القصف استهدف أحياء عدَّة في شرق المدينة حيث سُمِعَت صفَّارات سيارات الإسعاف طوال ساعات الصباح. وقدَّم الدفاع المدني حصيلة أوَّلية تفيد بمقتل 14 شخصاً على الأقل. وأبلغ المرصد لاحقاً عن ارتفاع عدد القتلى. وتحدث صحفيّ عاين القصف عن غارة استهدفت مبنى من 5 طوابق في حي بستان القصر الذي يُعدُّ من الأكثر كثافةً سكانيةً في المدينة، مُبيِّناً أن أفراد الدفاع المدني أخذوا يبحثون عن ضحايا محتجزين تحت الأنقاض. وقُتِلَ في الغارات التي استهدفت الحي 7 أشخاص على الأقل وجُرِحَ 8 آخرون. وفي حي المشهد؛ قُتِلَ اثنان وجُرِحَ 8 آخرون، على ما أورد الدفاع المدني الذي تحدث عن 5 قتلى في حي صالحين. وأحصى المرصد 5 قتلى آخرين. وتشهد حلب قتالاً عنيفاً في الأسابيع الأخيرة. وتسيطر الفصائل المعارِضة على أحيائها الشرقية منذ عام 2012، في حين تسيطر قوات النظام على الأحياء الغربية. وتتنوع جبهات القتال في المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، إذ تخوض الفصائل معارك ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في أقصى ريفها الشمالي قرب تركيا، فيما يقاتل النظام «جبهة النصرة» الإرهابية ومجموعات متحالفة معها في الريف الجنوبي. أما الريف الجنوبي الشرقي؛ فيشهد اشتباكات بين النظام و«داعش». وعادت أعمال العنف في أطراف مركز المحافظة منذ نحو 3 أسابيع؛ بعدما سادها الهدوء مع تطبيق الهدنة في ال 27 من فبراير الماضي. وغارات جيش الأسد أمس ليست الأولى في المدينة خلال الأسبوع الفائت، إذ شهِدَ الأحد مقتل 6 أشخاص بينما قُتِلَ 7 آخرون الأربعاء بواسطة الطيران الحربي. وذكر المرصد أن إحدى الطائرات الحربية تحطَّمت أمس جنوب غربي مطار دمشق وأنه ليس واضحاً ما إذا كانت نيرانٌ من فصائل أسقطتها أم خللٌ فني. ولم يتسنَّ التحقُّق عبر مصدر مستقل من زعم «داعش» وقوفه خلف إسقاط الطائرة، كما لم يتضح مصير الطيار. في سياقٍ آخر؛ اجتمع مسؤولون من النظام وممثلون عن الأكراد في القامشلي (شمال شرق)؛ لبحث إنهاء الاشتباكات العنيفة في المدينة. ونسبت وكالة «فرانس برس» إلى مصدرٍ قوله إن اجتماعاً عُقِدَ بعد ظهر أمس في مطار المدينة ضم مسؤولين أمنيين وحكوميين قدِموا من دمشق وشخصيات كردية «بهدف تهدئة الأوضاع ووضع حدٍّ للاشتباكات» الدامية التي تفجَّرت الأربعاء بين قوات الجانبين. واندلع القتال إثر إشكالٍ عند أحد الحواجز كان طرفاه قوات الأمن الداخلي الكردية «أسايش» وقوات «الدفاع الوطني»، وهي ميليشيا موالية للأسد. ولفت القائد الميداني الكردي، جلنك قامشلو، إلى قيام وحداته بإخلاء المدنيين من المناطق التي تشهد معارك. وشوهدت امرأة ترتدي ثوباً أسود وهي تجتاز بأمتعتها إحدى الطرق أثناء مرور سيارة عسكرية، ما يؤشر على نزوح سكَّان. وخلَّفت الاشتباكات، وفقاً لمرصد حقوق الإنسان، 15 قتيلاً في صفوف المسلحين الموالين للأسد و5 مقاتلين من «أسايش». وتعهد مقاتل كردي، يُدعى علي عسكر، بعدم السماح لقوات «الدفاع الوطني» وقوات النظام بالتقدم «أو السيطرة على أي جزءٍ من مدينتنا»، مُشدِّداً «سندافع عنها بكل قوة». وتتقاسم قوات الجانبين السيطرة على المدينة التي تقطنها أكثرية من الأكراد. وانسحب النظام تدريجيّاً من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في عام 2012. لكنه احتفظ بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات خصوصاً في مدينتي الحسكة والقامشلي. وفي جنوبدمشق؛ طرد «داعش» أمس مسلحي «جبهة النصرة» بشكلٍ «شبه كامل» من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، حسبما أفاد مسؤول فلسطيني كبير. وأوضح أنور عبدالهادي، وهو ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى سوريا، أن «داعش» بات يسيطر بشكل شبه كامل على المخيم بعدما طرد حليفه السابق من المواقع التي كانا يسيطران عليها. وأبلغ عبدالهادي وكالة فرانس برس بقوله «داعش تمكَّن بعد أكثر من أسبوعين من الاشتباكات من السيطرة على نحو 90 % من المساحة التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة». وأسفرت الاشتباكات، بحسبه، عن «مقتل 5 مدنيين من أبنائنا الفلسطينيين وجرح نحو 20 آخرين»، فيما لم يتمكن من تقديم حصيلة القتلى من مسلحي الطرفين. وكان التنظيمان الإرهابيان يسيطران على نحو 70 % من «اليرموك»، فيما تسيطر الفصائل الفلسطينية وقوات أمن النظام على باقي المساحة في شماله. ويقطن في المخيم حالياً نحو 6 آلاف مدني، ويبلغ عدد عناصر «داعش» فيه نحو 3 آلاف يتوزعون في أنحائه وفي بلدة الحجر الأسود المجاورة له، في حين يبلغ عدد مقاتلي «جبهة النصرة» نحو 300 عنصر. واعتبر عبدالهادي التصعيد الذي قام به «داعش» في المخيم نتيجةً لهزيمته الأخيرة في تدمر والقريتين «ليثبت أنه ما زال قادراً على القتال». وفي الأول من إبريل 2015؛ هاجم التنظيم «اليرموك» ودخله من حي الحجر الأسود بتنسيق مع «جبهة النصرة»، ما أفضى إلى سيطرته على 70 % من مساحته قبل أن ينسحب إلى الأحياء الجنوبية منه. وندَّد المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كريس غينيس، بحصار سكان المخيم. ولاحظ أنهم يعيشون ظروفاً إنسانية قاسية للغاية، معرباً عن قلق المفوضية إزاء «عدم حصولهم على المياه الصالحة للشرب»، مُذكَّراً بأن توزيع المواد الغذائية الأخير عليهم يعود إلى ال 15 من مارس الماضي. سياسيّاً؛ اعتبر ناطق باسم المعارضة أي حديثٍ من وفود أخرى عن استمرار الجولة الحالية من محادثات جنيف بعد تعليق وفد الهيئة العليا للمفاوضات مشاركته «كلاماً غير مرتبط بالواقع، بعدما أثبتت الهيئة أنها تمثِّل الشعب السوري والفصائل المعتدلة في الداخل». وأكد سالم المسلط، وهو عضو في «العليا للمفاوضات» ومتحدثٌ باسمها، أن وفدها لم يخرج من التفاوض «بل طلبنا تأجيله حتى نرى تقدماً على الأرض». وأشار، في تصريحاتٍ أمس من جنيف، إلى «جهود حثيثة» يبذلها الوسيط الأممي، ستافان دي ميستورا، لتحريك ملف المساعدات الإنسانية «في وقتٍ شكَّل ملف المعتقلين محور اجتماعٍ (عُقِد الجمعة) ضمَّ خبراء أمميين مع فريقٍ من الهيئة في مقرِّ إقامته». وتطلَّع المسلط إلى معاينة تقدُّمٍ في الأيام المقبلة «أو في الأيام الفاصلة عن موعد استئناف الجولة المقبلة». وصرَّح قائلاً «إذا رأينا خطوات كبرى وجادة على مستوى المساعدات والهدنة والمعتقلين؛ فلن يكون هناك عائق أمام عودة من غادر من أعضاء الوفد .. وبعضهم الآخر لا يزال موجوداً هنا»، ملاحظاً أن روسيا قادرةٌ باتصالٍ هاتفي واحد مع النظام على «تغيير الواقع على الأرض». وعلَّقت «العليا للمفاوضات»، الإثنين الماضي، مشاركتها في اجتماعات جنيف احتجاجاً على تدهور الأوضاع الإنسانية والانتهاكات اليومية للهدنة. وتقضي خطة الوسيط الأممي بانتهاء هذه الجولة التفاوضية في ال 27 من إبريل الجاري. واجتمع دي ميستورا أمس برئيس وفد النظام، بشار الجعفري، الذي صرَّح لاحقاً «سنعاود الجلوس للمرة الخامسة مع السيد دي ميستورا يوم الإثنين في الساعة الحادية عشرة صباحاً»، دون أن يورد معلومات عن تاريخ مغادرة وفده. ويشكِّل مستقبل رأس السلطة نقطة الخلاف الرئيسة، إذ تتمسك المعارضة بمطلب تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وبرحيل الأسد، فيما يتحدث الوفد المقابل فقط عن «حكومة موسَّعة». واعتبر دي ميستورا، في حديثٍ للإذاعة السويسرية الرسمية مساء الخميس، أن «هناك كثيراً مما نسميه استعراضات سياسية، وهذا أمر طبيعي».