عقيدة أو مبادئ الرئيس الأمريكي (Presidential Doctrine) تعني الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، وتشمل أهدافه الرئيسة وسلوكه ومواقفه وطريقة تعامله تجاه قضايا السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. هي مبادئ تتبناها إدارة الرئيس مع أنه ليس لها قوة القانون، إلا أنه غالباً ما يحترمها خَلَفه، عدا في حال تغيَّرت أولويات السياسة الخارجية. مع أن عدداً كبيراً من رؤساء الولاياتالمتحدة كانت لهم رؤى محددة حول السياسة الخارجية، إلا أن مصطلح «عقيدة» يُطلَق عادةً على مبادئ بعض الرؤساء. وأول مرة استُخدِمَ فيها هذا المصطلح كان في عهد الرئيس جيمس مونرو الذي أعلن ما عُرِف ب «عقيدة مونرو» عام 1823م، وكانت تتعلق بضمان استقلال الدول في نصف الكرة الغربي ضد تدخل دول الاستعمار الأوروبية حينذاك. «عقيدة مونرو» تعدُّ أول مبادئ معلَنة لرئيس أمريكي، تلاها إعلان «مبادئ» عدد من الرؤساء وفقاً للظروف السياسية لكل مرحلة. بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي؛ كانت مبادئ الرؤساء الأمريكيين تركز على المواجهة مع المعسكر الشيوعي. واكتسبت منطقة الشرق الأوسط والمياه الدافئة في الخليج العربي أهمية قصوى في السياسة الأمريكية. وأهم المبادئ المتعلقة بتلك الحقبة كانت: هذه المبادئ رسمت إلى حدٍّ ما طريقة تعامل الولاياتالمتحدة مع قضايا العالم، وعكست نظرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة للملفات الدولية، وركزت على حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة حتى وإن اختلفت مضامين تلك المبادئ التي راوحت بين الدبلوماسية والمثالية السياسية. ولكن أين التقت مصالح السعودية مع مصالح أمريكا في تلك المبادئ؟ لكي نفهم ذلك علينا أن نستوعب عمق العلاقات السعودية- الأمريكية والمصالح المشتركة للبلدين ونستعرض شيئاً من تاريخها. كان مبدأ إيزنهاور يرتكز على مساعدة دول الشرق الأوسط في مكافحة الشيوعية، وكانت السعودية بثقلها الإسلامي دولة معادية للشيوعية، كما أنها لاعب مهم في الاقتصاد العالمي. وساعدت الحوادث المتتالية في الشرق الأوسط على تعزيز دور السعودية إقليميّاً وعالميّاً. أخذت العلاقات منحى قويّاً في عهد الرئيس إيزنهاور، وزار الملك سعود الولاياتالمتحدة عام 1957م كأول ملك سعودي يزور أمريكا. واستقبله الرئيس إيزنهاور في المطار في سابقة بروتوكولية، فهو أول رئيس دولة يُستقبل في المطار من قِبَل رئيس أمريكي. وبالمناسبة؛ فما أكثر ما كسر الرؤساء الأمريكيون البروتوكول ليبدوا تقديرهم للزعماء السعوديين، وآخرهم الرئيس أوباما الذي استقبل الملك سلمان عند المدخل الغربي للبيت الأبيض بدلاً من استقباله في المكتب البيضاوي كما يقضي البرتوكول. ارتجل إيزنهاور كلمةً في مطار واشنطن يوم 30 يناير 1957م قال فيها «أرحب بجلالتكم نيابةً عن الشعب الأمريكي، وننظر لجلالتكم كقائد للعرب وحامي للمقدسات الإسلامية، وإنه لشرف عظيم أن تكونوا بيننا فكم نحن محظوظون في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لقد كان والدكم الراحل (ابن سعود) صديقاً لنا وبوجودكم اليوم نعتبركم اليوم صديقاً لنا، وننظر بكثير من التفاؤل إلى المحادثات التي سنجريها لمناقشة المواضيع المشتركة التي تهم بلدينا، لأننا نثمن صداقتكم ونعتقد أن المحادثات سينتج عنها نتائج مثمرة لتقوية العلاقات والتأكيد على الصداقة مع بلدكم». خلال السبعينيات من القرن الماضي؛ تزايد دور السعودية كلاعب مهم وحجر زاوية في السياسة الدولية، إذ ساعدت على استرجاع مصر من المعسكر السوفييتي، كما ساعدت على إيقاف المد الشيوعي في إفريقيا واليمن الجنوبي والقرن الإفريقي. كان نيكسون أول رئيس أمريكي يزور المملكة. جاءت زيارته في أعقاب حظر تصدير النفط. ألقى الرئيس كلمة رداً على كلمة الملك فيصل الترحيبية يوم 14 يونيو 1974م في قصر الضيافة في جدة تحدث فيها عن العلاقات التاريخية والمهمة بين البلدين، ثم قال «صاحب الجلالة: أنا أعلم أن كثيراً من الأشخاص – على الأقل كما هو متوقع- يأتون إلى السعودية للحصول على النفط، أما نحن فنحتاج لما هو أثمن من النفط، نحتاج إلى الحكمة………..، ولأنني رجل سياسةٍ عمليّ دعوني أقول كما أننا سنحصل على كثير من الحكمة التي سنحملها معنا بعد هذه الزيارة، فنحن أيضاً نحتاج إلى النفط لنصل إلى وجهتنا القادمة، ولكي أكون واضحاً يا صاحب الجلالة فسيتم الدفع بالسعر العالمي …». خلال حفل العشاء الذي أقامه الرئيس كارتر للأمير فهد، ولي العهد السعودي حينذاك، بتاريخ 24 مايو 1977م في البيت الأبيض؛ ألقى الرئيس كلمةً قال فيها «لقد قلت عدة مرات منذ أن توليت الرئاسة في بلدي بأنني لا أعتقد أن هناك أي دولة تجمعنا بها صداقة وثيقة وتعاون عميق أكثر مما يجمعنا مع السعوديين، كانت هناك أوقات عدة حينما رأينا أن هناك حاجة أو مشكلة سواءً في بلدنا أو حول العالم، وكان أصدقاؤنا السعوديون يقفون معنا دائماً مما يعكس الصداقة العميقة، إنني أثمن المواقف العظيمة لقادة المملكة العربية السعودية لمساعدتنا في حل كثيرٍ من القضايا حول العالم وبطريقة هادئة وصادقة». وفي 11 فبراير 1985م؛ استقبل الرئيس ريغان الملك فهد في البيت الأبيض، وألقى كلمة ترحيبية جاء فيها «أهلاً وسهلاً (قالها بالعربية)، إنه لشرف عظيم أن أرحب برجل دولة عالمي وقائد للأمة العربية والإسلامية وصديق حميم للولايات المتحدةالأمريكية، إنه صاحب الجلالة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، إن الصداقة والتعاون بين حكومتينا وشعبينا جواهر ثمينة لا يمكن التقليل من قيمتها رغم ما قد يبدو من اختلافات حضارية وثقافية، أعتقد وبثقة أنه في السنوات المقبلة سيكون هناك تعاون أوثق ومعرفة أعمق بالمصالح المشتركة بيننا، فالعلاقات الاقتصادية قوية خاصة بين بلدينا، والنفط السعودي يساعد كمحرك للتقدم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي نفس الوقت التقنية والمعرفة الأمريكية تساعد في كثير من المشاريع السعودية. لقد أصبحت المملكة العربية السعودية أحد أكبر الشركاء التجاريين لأمريكا. وأنتهز هذه الفرصة لأبدي إعجابي بالأسلوب الجدير بالثقة الذي تتبناه القيادة السعودية في إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية الذي يراعي تأثير القرارات السعودية على الاقتصاد العالمي فلهم منا كل الاحترام والامتنان». خلال عهد الرئيس كلينتون؛ حصلت الشركات الأمريكية على عقود مشاريع ببلايين الدولارات في المملكة العربية السعودية. ففي خبر نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» بتاريخ 28 أبريل 1994م؛ ورد أن الرئيس بيل كلينتون يحاول إقناع السعوديين بمنح شركة (أتي أن تي) الأمريكية عقداً بأربعة مليارات دولار. وزير الخارجية وارن كرسيتوفر علق على ذلك قائلاً «ليست المرة الأولى التي سيستخدم فيها كلينتون علاقاته لدعم الشركات والمنتجات الأمريكية فقد سبق أن أثمرت اتصالاته مع الملك فهد العام الماضي على منح بوينج وماكدونالد دوغلاس العقد». وقعت السعودية عقداً لشراء 60 طائرة لتحديث أسطول الخطوط السعودية من شركتي ماكدونالد دوغلاس وبوينغ الأمريكيتين، وتجاوزت قيمة الصفقة 6 مليارات دولار. خلال حفل توقيع العقد في 16 فبراير 1994م؛ قال كلينتون «الولاياتالمتحدة والسعودية تتمتعان بعلاقات وثيقة لفترة طويلة، العلاقات الاقتصادية الوثيقة تعزز العلاقات الاستراتيجية والسياسية بين البلدين التي نثمنها ونعتز بها كثيراً». واجهت العلاقات السعودية الأمريكية خيارات صعبة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي مروراً بجميع مراحل القضية الفلسطينية وحربي (67م) و(73م)، فالموقف الأمريكي كان منحازاً تماماً لإسرائيل. وعلى النقيض؛ كان الموقف السعودي مؤيداً للحق العربي ومسانداً للفلسطينيين. ومع ذلك لم يتسبب هذا الخلاف في فض الشراكة نظراً لقوة المصالح المشتركة وتأثيرها على مسار العلاقات. كما تجاوز البلدان عدداً من الأزمات في تاريخ علاقتهما، أسوأها كانت حادثة ال 11 من سبتمبر، التي كان لها تأثير سلبي كبير سياسيّاً وشعبيّاً. ورغم أن البلدين استطاعا تجاوز تلك الأزمة؛ إلا أن تداعياتها لم تُمحَ بعد من الذاكرة الأمريكية. ويحاول بعضهم استغلال ذلك للإضرار بالعلاقة بين البلدين التي تواجه عدداً من التحديات الأخرى. ومع ذلك؛ فالمملكة دولة بالغة الأهمية بالنسبة لواشنطن على الصعيد الاستراتيجي وفقاً لعددٍ من المعلقين الأمريكيين. إلا أنه لا يمكن إغفال تعقيدات العلاقة وأولويات المصالح لكل دولة، وكذلك الفوارق الثقافية والاجتماعية بين البلدين. مصادر أمريكية تصف اللبس في فهم هذه العلاقة خاصةً في ظل الحملات ضد المملكة وما يتردد عن توترات بأن العلاقات السعودية الأمريكية علاقات استراتيجية ومن عدم الدقة الآن حصرها في ملفي إيران والنفط، فثقل المملكة الاستراتيجي يكمن في لعبة التوازن الأمريكي الجديدة مع الصين ودول شرق آسيا، خاصة أن الصين هي القوة الصاعدة في الأفق لمنافسة أمريكا. كما أن دور المملكة الفاعل والمهم في الحرب على الإرهاب وسجلها الحافل بالإنجاز وتجربتها في هذا المجال لا غنى لأمريكا عنها، إضافةً إلى أهمية الخليج كموقع استراتيجي وتأثير نفطه على استراتيجيات الطاقة العالمية، وكذلك دور المملكة المحوري في السلام والأمن الإقليمي. العلاقة علاقة مصالح، فكما تحالفت المملكة مع أمريكا في صراعهما ضد الشيوعية؛ ساعدت أمريكا المملكة بتعزيز قدراتها الدفاعية وتزويدها بالأسلحة والمعدات وكانت جاهزة للتدخل العسكري ضد أي تهديد يواجهها. أما النفط فموجود في المكسيك وفنزويلا والعراق وليبيا وإيران والجزائر وغيرها من الدول. ومع ذلك؛ لم تحظَ أي من تلك الدول بالعلاقة المتميزة التي حظيت بها السعودية مع أمريكا. خلال العقود الماضية؛ استمرت العلاقات السعودية الأمريكية متفردة، لقد كانت علاقة أكبر من «النفط مقابل الأمن» كما يحاول بعضهم أن يصورها، ورغم ما يُكتب ويُقال عن أن عدم اعتماد أمريكا على النفط السعودي يقلِّل من الأهمية الاستراتيجية للسعودية. طوال تاريخ العلاقات كُتِبَت تقارير وصدرت دراسات وتحليلات عن مصير تلك العلاقة، ومع ذلك ما زال كل بلدٍ منهما محتاجاً للآخر. علاقات أمريكا تقوم على المصالح واستراتيجيتها تقوم على التحالف. ولدى المملكة القدرة على مساعدة أمريكا في ملفين – على الأقل- من ملفات الأولويات الأمريكية ومهددات الأمن القومي في العقود المقبلة، وهي «التغييرات المناخية، والأوبئة الفتاكة، والإرهاب». أهمية المملكة هي ما يفسر كل ما قاله الرؤساء الأمريكيون عنها. أما بالنسبة للرئيس أوباما فتأتي زيارته الرابعة للمملكة كسابقة تاريخية في زيارات الرؤساء الأمريكيين كدلالة على عمق العلاقة رغم كل ما يقال عن أزمة الثقة وبغض النظر عما سيصدر عن الزيارة من نتائج. لكن قوى الشر التي مازالت تسعى لإفساد هذه الشراكة «الاستراتيجية» لا يسرها ذلك، إذ تشير تقارير إعلامية بأن إيران لا ترى ضماناً لنجاح الاتفاق النووي دون إضعاف السعودية وضرب علاقاتها الاستراتيجية بواشنطن. ومع كل ما سبق؛ فإن الحملات المكثفة في وسائل الإعلام الأمريكية التي تستهدف المملكة وتحاول تشويه صورتها وربطها بالإرهاب وتحميلها مسؤولية ما يحدث في المنطقة من قلاقل وعدم استقرار والتغافل عن الدور الإيراني في دعم الإرهاب ونشر الفوضى؛ تؤكد الدور المؤثر الذي يقوم به اللوبي الإيراني واختراقه كثيراً من مراكز الدراسات ووسائل الإعلام ودوائر صنع القرار الأمريكي. يثبت ذلك ما يتم تداوله هذه الأيام في الصحافة الأمريكية من اتهامات ومزاعم عن صلة للسعودية بهجمات سبتمبر وإغفال ما صدر من أحكام قضائية تدين إيران بدعم الإرهاب منذ عام (1983م) وأحكام أخرى تدين إيران أيضاً بتسهيل انتقال الإرهابيين والتعاون مع تنظيم القاعدة في هجمات سبتمبر، آخرها الحكم الذي أصدره قاضي المحكمة الفيدرالية في منهاتن، جورج دانيلز، خلال الشهر الماضي ويقضي بتغريم إيران أكثر من 10 مليارات دولار كتعويضات لأسر الضحايا وشركات التأمين. من هنا؛ ليس مستبعداً البتة أن يكون تداول خبر ربط السعودية بهجمات سبتمبر، الذي يخبو لفترة ثم يطفو فجأة، الهدف منه التغطية على أخبار إيران الإرهابية و»شيطنة» السعودية في الإعلام الأمريكي الذي يروج دائماً أن السعودية ضد رفع الحجب عن أجزاء من تقرير لجنة التحقيق في حادثة سبتمبر التي شكلها الكونجرس. وقرار الحجب وقعه الرئيس السابق جورج بوش عام 2003م. حينها أثيرت عاصفة سياسية وإعلامية في أمريكا ضد قرار الحجب. وبررت الإدارة الأمريكية موقفها بأن الكشف عن تلك الأجزاء من التقرير سيكشف معلومات قد يؤدي نشرها إلى الإضرار بالأمن القومي. لكن بعض وسائل الإعلام أشاعت بأن قرار الحجب كان لحماية السعودية! قامت المملكة حينئذ بتقديم طلب رسمي إلى الحكومة الأمريكية لكشف الأجزاء المحجوبة من التقرير – وعددها 28 صفحة – التي يُزعَم أنها تتضمن معلومات عن وجود علاقة محتملة بين بعض الأشخاص والمؤسسات والجمعيات الخيرية السعودية مع عدد من منفذي هجمات سبتمبر. وطالب وقتذاك الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية والسفير الأمير بندر بن سلطان برفع الحجب عن تلك الصفحات من التقرير لتتمكن المملكة من الرد عليها . الإشكالية الحقيقية ليست على المستوى الرسمي، وإنما على المستوى الشعبي أيضاً، فقد أكد الرئيس باراك أوباما- هذا الأسبوع- في مقابلةٍ مع شبكة (سي بي إس) الإخبارية بأنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قانون يُمرَّر في الكونجرس لربط السعودية بحادثة سبتمبر. المفارقة أن العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام، وأحد من تبنوا المشروع اعترض على تمرير مشروع القانون! وفقاً لما ذكرته شبكة (سي إن إن) يوم الأربعاء الماضي. الكونجرس يتأثر بالضغوط الشعبية التي يؤثر فيها الإعلام، فهذه الحملات صورت الأمر وكأن قرار حجب الصفحات ال 28 صدر لأن فيه إدانةً للحكومة السعودية في تلك الحادثة، ما جعل عائلات الضحايا وشركات التأمين تتجه للمحاكم لرفع قضايا على الحكومة السعودية. المحاكم الأمريكية رفضت تلك الدعاوى، لأن القانون الأمريكي يمنح الحكومات الأجنبية حصانةً ضد مثل تلك القضايا، إضافةً إلى قرار الحكومة بحجب تلك الصفحات من التقرير. العائلات والشركات توجهت إلى الكونجرس بطلب إصدار تشريع يرفع الحصانة عن الحكومات الأجنبية في قضايا الإرهاب التي تقع داخل الأراضي الأمريكية؛ ولإلزام الحكومة كذلك برفع الحظر عن الصفحات المحجوبة من التقرير. الحكومة الأمريكية ردت بأن إصدار قانون رفع الحصانة عن الحكومات الأجنبية سيشكل سابقةً لرفع دعاوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية نفسها وضد مسؤوليها، مما سيعرض المصالح الأمريكية للخطر، كما أن رفع الحجب عن أجزاءٍ من التقرير سيضر بالأمن القومي الأمريكي، وما برح الأمر بين أخذ وردّ بين البيت الأبيض والكونجرس. هنا قد يتساءل بعضهم: كيف قبلت المحاكم الأمريكية الدعاوى ضد إيران؟ وأين قانون حصانة الحكومات الأجنبية؟ الإجابة على ذلك: إيران وقت رفع الدعاوى ضدها كانت مُسجَّلة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب، كما أن قانون حصانة السيادة الأجنبية الأمريكي وضع استثناءً يجيز انعقاد الولاية للمحاكم الأمريكية بقبول سماع الدعاوى في حق دولة أجنبية بالرغم من أن القانون الدولي لا يجيز ذلك. الإعلام الأمريكي ما زال يروج أن السعودية ضد قرار رفع الحجب لأنه يدينها، وهذا هو التضليل بعينه. الصحيح أن الحكومة السعودية ضد قرار رفع الحصانة عن الحكومات الأجنبية ومع قرار رفع الحجب، لكن من يوضح ذلك للرأي العام الأمريكي الذي هو العنصر المؤثر في السلطات الدستورية الثلاث؟. ويبقى الإعلام ومن يملكه هو القوة الفاعلة سيكولوجيّاً لتشكيل الرأي العام الأمريكي وتوجيهه. كل ذلك يؤكد الحاجة إلى ضرورة الحضور السعودي الشعبي في الأوساط الأمريكية بكافة مستوياتها، والوقوف إلى جانب الجهد الرسمي وإطلاق مبادرة للدبلوماسية الشعبية بمشاركة مجلس الأعمال السعودي- الأمريكي والطلاب المبتعثين ورجال الأعمال والنخب السعودية وغيرهم ممن يستطيعون التفاعل وبدء التواصل المباشر- وفق استراتيجية متكاملة- مع قوى التأثير في أمريكا، مع التأكيد على ضرورة الحضور السعودي المكثف في المؤسسات ومراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأمريكية. كل الفرص متاحة أمامنا لفعل ذلك؛ فماذا ننتظر؟