حيثُ صادف 20 مارس يوم السعادة العالميَّ الهادف لتعزيز مفهومها؛ سعياً لعالم يسوده السرور والبهجة والانشراح، فما مفهومُ السَّعادة الدنيويَّة الحقَّة؟، وأين يجدها طالبوها؟، وكيف يحقِّقُونها لذواتِهم؟، وهل سيستديمونها أم سيعيشونها طارئة لا يلبثون أن يفتقدوها ليعاودوا البحث عنها؟، حتماً سنختلف أمام هذه التساؤلات، فكلٌّ سينظر إلى السَّعادة من زاويته إدراكاً وتحقُّقاً مؤقَّتاً أو مستداماً أو افتقاداً لها، لذلك ما سأطرحه عن السَّعادة سيكون وجهة نظرٍ خاصَّة بي تكشف إحساسي بها في ذاتي، أو شعوري بها لدى غيري مستنتجاً ذلك من انعكاساتِ أقوالهم وأفعالهم ومواقفهم وتعاملاتهم مع الآخرين، وأحسب أنَّ ذلك مستطاعٌ بالملاحظة، فالتَّعرُّف على السعداء والتُّعساء من البشر ليس ممَّا يصعب الوصول إليه باعتبار السعادة والتعاسة مشاعرَ إنسانيَّة يتحرَّكون بها وتحرِّكهم دوافعها. يطرح خبراءُ الصحَّة النفسيَّة واختصاصيُّو علم النفس السلوكيِّ الاجتماعيِّ مواصفاتٍ تؤدِّي للسعادة بشكل عام فأين أنتَ أيُّها القارئ من الآتي؟!!: * النظرة المتفائلة للحياة، فالناظرون بإيجابيَّةٍ إلى حقيقة كون كأس الماء ممتلئاً لنصفه أسعد في حياتهم من الناظرين لنصفه الفارغ، فالإنسان القنوع أسعد من الطمَّاع المتلهِّف لأكثر ممَّا يحتاجه أو يستحقُّه. * الطيبة والتَّسامح والودُّ وحبُّ الآخر، فالطيبة وصدق المشاعر تجاه الآخر والإخلاص فيها والتَّسامح مفاتيح السعادة في العلاقات بالآخرين؛ لأنَّها مواصفةٌ تجذب النَّاسَ لبعضهم، وتبعدهم عن التَّحاسد وإفرازاته من كره وحقد ومكيدة. * حبُّ التجديد والخروج على الروتين اليوميِّ؛ إذ يفتحُ ذلك آفاقاً تجدِّد الحياة فتنقِّيها من ضغوطاتها؛ وبذلك سيفرِّغ الفردُ مشاعره السلبيَّة بين فترة وأخرى مستعيداً فطرتَه وإنسانيَّتَه. * الاتزانُ الانفعاليُّ أو العاطفيُّ، فالواصلون إلى قمَّة مظاهر السعادة في حالة الفرح هم أقلُّ رضا وقناعة بمكتسباتهم الحياتيَّة ممَّن ردَّاتُ أفعالهم لمواقف الفرح أو الحزن متوسِّطةٌ تتسامى صعوداً وهبوطاً وفق الحالة المزاجية الطبيعيَّة. * الحريَّةُ والرغبةُ في عمل أشياء يحبُّها الفرد وتميل نفسُه إليها، فالذين يقضون أوقاتاً أكثر في عملٍ يستمتعون بأدائه أكثر سعادة ورضا عن الحياة ممَّن ينخفض استمتاعهم بذلك، أو يعملون فيما لا يرضون العمل فيه. كما يتَّصلُ أيُّها القارئ أيضاً بسرِّ الحياة السَّعيدة الآتي: * سرُّ الصحَّة الجيَّدة، فينعكس ذلك على تلك؛ فالصحَّةُ الجيِّدة تكمن في نوعيَّة طعام الفرد، وفي بيئته التي يعيش فيها خاليةً من ملوِّثاتها، وفي محيطه الاجتماعيِّ والثقافيِّ المتَّزن في حراكه. * صفاءُ عقيدة الفرد من الانحرافات الشركيَّة، ونقاءُ عباداته وتعاملاته من ممارساتٍ غير شرعيَّة، فالنفس المطمئنَّة أسعدُ من اللَّوامة وتلك أسعد من الأمَّارة بالسوء، فالنفس تصفو مشاعرها بعلاقتها السليمة النزيهة الصادقة مع خالقها ورازقها المتوجِّهة لعبادته بسعادة حقَّة ترجو رضاه وخَيْرَي الدنيا والآخرة، كما تصفو حياة الفرد من أكدارها بعلاقاته المعتدلة المتوازنة بالآخر مهما كانت ديانته، ولعلَّها أكثر صفاءً بمماثليه في العقيدة. * تفاعلُه مع وطنه في سياسته الداخليَّة والخارجيَّة؛ فلا يكفِّر مواطنيه ولا يصنِّف مخالفيه منهم، ولا يُسْتَمَال من قوى خارجيَّة عميلاً ومتجسِّساً على وطنه ومواطنيه؛ إذْ أنَّه سيعيش القلقَ والخوفَ من اكتشافه بتوجُّهاته غير الوطنيَّة. * انتهاجُ العدالة والنَّزاهة مسلكاً، فالظالم لا يشعرُ بالسَّعادة مهما حقَّق له ظلمُه وفسادُه من مكتسباتٍ دنيويَّة؛ إذْ إنَّه يتوقَّع في كلِّ يومٍ أن يحيقَ به ظلمُه وفسادُه، وربَّما استشعر موقفَه في آخرته أمام ربِّه العادل، فيما يعيش العادل النزيه حياةً سعيدة لا تكدِّرها وسوساتٌ ولا توقُّعاتٌ تلاحق الظالم والفاسد في نومه وفي يقظته. * اتِّخاذ الموضوعيَّة والشفافيَّة منهج حديثٍ وحوارٍ وكتابة وتعليق مستبعداً الكذبَ والادِّعاءَ والنميمةَ والشائعةَ، وبذلك ستنشأ علاقاته بالآخرين متوازنة متَّزنة لا تتولَّد منها مشاعر سلبيَّة كرهاً وحقداً وتربُّصاً وتحريضاً على الآخر، وهكذا سيحسُّ بسعادة غامرة؛ إذْ أنَّه ليس لديه ما يخيفه فيخفيه أو يتلوّن به أو يخشى انكشاف زيفٍ أمام الآخرين. * إيمان الفرد بأنَّ خالقه سبحانه وتعالى هو رازقه، وأنَّ عليه أن يسعى في كسب رزقه غير حاسدٍ الأوسعَ رزقاً منه، فحسده سيفقده السَّعادة بما هيَّأ الله له من رزقٍ حلال وسيفقده المتعة والبركة فيه، وليعلمْ علماً يقينيّاً أنَّ من النَّاس من تتيسَّر لهم أسبابُ أرزاقهم من حيثُ لا يحتسبون، ومنهم من يَعْنَتُون فيها، والسعيد من يحمد الله ويشكره مهما كانت حالته، وقد أوجز الشاعر نظرته للسعادة قائلاً: وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيْدُ فما قدَّر الله سبحانه وتعالى لعبده من رزقٍ ومن أجلٍ لن يفوته منهما شيءٌ، ولن يزيده فيهما شيء، فليسعَ مجتهداً وليرضَ بما قسمه الله له وقدَّره ليسعد بذلك رزقاً وعمراً، فالرضا من أظهر ملامحَ السَّعادة على الفرد، وتظهر تلك الملامح بالتفاعل الأسريِّ والاجتماعيِّ الفاعل بعلاقاتٍ حافزة على تعميقه في نفس الفرد فتنعكس صحَّةً نفسيَّةً مطمئنَّة خاليةً من العقد ومن الاكتئاب والانطوائيَّة الانعزاليَّة، فهنيئاً لمن يتحقَّق له الرضا فيسعد بصحَّةٍ نفسيَّة تجعله عنصراً فاعلاً ومنتجاً إنتاجاً فكريّاً وتربويّاً واقتصاديّاً وعمليّاً في مجتمعه ووطنه. أحسبُ أنِّي بما طرحتُه قد اقتربتُ قدراً ما من الإجابة عن تساؤلات صدر هذه المقالة، وأنَّ لدى الآخرين طروحاتٍ برؤى ومفاهيم قد تزيدها وضوحاً وتوضيحاً، أو ربَّما تصحِّحها مفاهيمَ أو طروحاتٍ لم أوفَّق فيها تماماً.