يصنف التاريخ بأنه النبراس لفهم العلوم الإنسانية بما فيها العلوم السياسية. فمن يستوعب التاريخ جيداً يفهم الوضع السياسي الحالي فهماً دقيقا، ويستطيع التنبؤ بأحداثه المستقبلية. لقد حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي الدولة في سنة1941 بعد اتفاق متين بينه وبين ذوي المناصب الحساسة بالدولة لتدشين مشروع انقلاب عسكري، يهدف إلى عزل والده عن الحكم والسلطة تماماً. واستمر الشاه في الحكم حتى سنة الثورة الإيرانية التي هزت العالم في سنة 1979. علماً بأن الثورة تمت عبر انقلاب عسكري آخر برعاية الأحرف الثلاثة الشهيرة «سي آي أي». وكان أول رئيس جمهوري ينتخب سينمائياً بعد تلك الثورة هو الرئيس أبو الحسن الصدري. وفي 12 من أكتوبر سنة 2012 عُرٍضَ الفيلم الشهير «Argo» الذي ناقش تفاصيل الثورة الإيرانية بشكل موسع، وقد حاز العمل على جائزة أوسكار. إن البداية الفعلية للتغير السياسي في منطقة الشرق الأوسط، تزامنت مع أحداث سنة 1979 الذي ارتبط بالحدث السياسي الخطير، وهو الترحيب بالخميني رجل الدين المتطرف الذي سبق أن نُفي من إيران إلى فرنسا على يد الشاه محمد بهلوي. فهل مازال يخفى علينا من أعاد الخميني من أوروبا إلى إيران؟ وما تلا ذلك من أحداث سياسية مهمة وخطيرة لعل أبرزها إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بشن الحرب على إيران وإسقاط الحكم الجديد فيها! ففي سنة 1980 تم الاتصال مباشرة بسيف العرب الصديق الصدوق للولايات المتحدةالأمريكية وكافة الدول العربية. في ذلك الوقت كان العراق يمثل قوة عسكرية مهددة للأمن المنشود لصاحبة الدلال إسرائيل وتحرض على إيران. كان الهدف الأساسي من ذلك التحريض أن يُحطم أقوى جيشين في المنطقة (العراقvsإيران)، وأن تطبق عليهما مقولة «حيلهم بينهم» ولتزداد الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط تفاقماً وتعقيداً. واستمرت الحرب 8 سنوات عصيبة فقد فيها طرفا النزاع خسائر مادية وبشرية قدرت بمليوني قتيل عراقي وإيراني. وفي سنة 1988 انتهت الحرب ولكن لم تنتهِ الألقاب البطولية والهدايا العظيمة وكل سبل التمجيد للرئيس العراقي. حينها أصبح البطل الأسطوري لدى الأمريكان والعرب خاصة. ولكن سرعان ماصدم ذلك الرئيس العالم أجمع بغزوه جارته الكويت واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة، مؤكداً للجميع بأنه يستلذ ويستمتع بشن الحروب. ففي الساعة 2:00 صباحا في اليوم الثاني من شهر أغسطس سنة 1990 انقلب الحال السياسي بالمنطقة جراء ذلك العدوان الغاشم، الذي حول البطل الأسطوري إلى عدو نسف بفعلته أمن واستقرار المنطقة وحولها إلى ساحة قتال ذميمة أدت إلى تمزيق الوحدة العربية وتفككها. فبعد فعله الشنيع المستنكر انصب تركيز الإخوان في دول مجلس التعاون الخليجي على التحالف من أجل تحرير دولة الكويت، من ذلك الهجوم الإجرامي وأن تعود بكل شموخ إلى أهلها. ففي الحادي عشر من سنة 2001 وقع أكبر حدث إجرامي سياسي في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد كان ومازال الهدف الحقيقي لذلك العدوان هو الحصول على المفتاح السحري الذي يسهل اقتحام الشرق الأوسط عسكرياً بحجة محاربة «الإرهاب» المتمثل زوراً بثوب الإسلام. تاريخياً: في السابع من شهر أكتوبر سنة 2001 شنت الحرب على أفغانستان تاريخياً: في الأول من مايو سنة 2003 بدأت الحرب على العراق هل تعلم عزيزي القارئ بأن أسرع قرارين لخوض الحروب في تاريخ أمريكا كانت من نصيب (أفغانستانوالعراق) نعم. لقد صُدم العالم بقرارات الحرب التي اتخذها الرئيس الجمهوري جورج بوش. سبحان مغير الأحوال، ففي سنة 1980 دُعم العراق كلياً من أجل إسقاط القوة الإيرانية، وفي العام 2003 أُسقط العراق الصديق المقرب في الثمانينات الميلادية، ليكون أفضل هدية لعدوته إيران التي تُعد المستفيد الأول من سقوط نظام صدام حسين. لكن مهلاً… من الذي تسبب في إضعاف الجيش العراقي بجعله يخوض حربي إيرانوالكويت؟ من أسقط العراق ومن ثم أعطى الضوء الأخضر لإيران للتمدد بقوة في الشرق الأوسط دون حسيب أو رقيب؟ يشهد التاريخ أن أكبر إهانة عربية سياسية وجهت للشرق الأوسط هي قتل الرئيس صدام حسين في فجر عيد الأضحى المبارك. بينما تصنف حرب العراق بأنها أكبر خسارة مادية وسياسية للولايات المتحدةالأمريكية. السؤال هنا، ما الحال بعد سقوط صدام حسين؟ مع الأسف إيران تفرد عضلاتها في المنطقة ويمكننا بلورة الأدلة في النقاط التالية: تدمير كلي لسوريا ودعم مطلق لنظام الطاغية الأسد. تدريب ودعم ميليشيات إرهابية بالمنطقة. التطاول على سفارة المملكة العربية السعودية بحرقها من أجل إرهابي سعودي الجنسية هو مع الأسف مراسل وخادم للمصالح الإيرانية. دعم وتخطيط استراتيجي لإسقاط مملكة البحرين الشقيقة. الدعم المستميت للإرهاب بشتى أطيافه والتركيز على زرع الفتنة الطائفية في المنطقة، بدون أدنى شك يُعد العامل التاريخي للتطورات السياسية بالشرق الأوسط أحد أبرز العوامل الجوهرية المساعدة لفهم تسلسل الأحداث السياسية ومايحدث الآن في الدول العربية. قديماً، كانت فلسطين هي القضية السياسية الأبرز وبلا منازع، فقد صنفت بأنها الهاجس السياسي الأعظم للعرب والمسلمين، لكن مع بالغ الأسى تناسى كثيرون ذلك الملف في ظل تزاحم ملفات القضايا السياسية في الشرق الأوسط حتى أصبحت أكثر من عدد الدول العربية.