أَنْ يلعب شخص في يدي شخص آخر فهذا يعني، وفقا للتعبير الاصطلاحي الإنجليزي، أنَّ من يلعب يتصرف بحسب ما يشتهي ويتمنى خصمه، الشخص الآخر. بكلمات أخرى، إن اللاعب يخلق الفرص ويهيئ العوامل التي تساعد الملعوب في يديه على تنفيذ خططه أو تحقيق غاياته. ولا أظن أنني أنأى عن الصواب بقولي إن خصوم بشار الأسد كانوا ولايزالون يلعبون في يديه منذ اندلاع الانتفاضة في سورية، بدءا بالثوار والمجلس الوطني وأصدقاء الشعب السوري وأيمن الظواهري، والطائفيين، وانتهاء بإحدى الجماعات التي أعلنت قبل دقائق قليلة من كتابة هذه المقالة مسؤوليتها عن أحد التفجيرات الإرهابية في دمشق، وحتى مرسلي الصور للفضائيات يشاركون في ذلك؛ فصور القتل والدمار تثير الخوف منه قَدْرَ فضحها للمذبحة. اللافت في مجريات الأحداث المتعلقة بالثورة السورية أن كل طرف من هذه الأطراف يلعب وبطريقته الخاصة في يدي الأسد، لهذا ليس غريبا أن يظهر الأسد ممتلئاً ثقةً وهو يتحدث عن امتلاكه للأرض وسيطرته على كل ما يحدث فوقها، لأنه ليس هناك ما يثير الخوف فيه أو يزعزع طمأنينته، طالما أن خصومه يسهمون في إنجاح مشروعه الإبادي والتصفوي، ويستند الى أصدقاء لم تتردد أو تتلعثم هيلاري كلينتون عند وصفهم بالأقوياء، مُلمحةً إلى روسيا والصين وإيران. أول اللاعبين في يدي الأسد هم الثوار السوريون أنفسهم، بتشتتهم وتفرقهم وبإخفاقهم حتى هذه اللحظة في توحيد صفوفهم وأهدافهم. أما المجلس الوطني فلا يوجد من ينافسه على الظفر بلقب اللاعب الثاني عبر فشله في تحقيق ما يأمل الثوار في الداخل السورى منه، إذ كشفت آخر التطورات في الموقف الانتفاضي أن الثوار غير راضين عن أداء المجلس الوطني، وقد عبر عدم رضاهم عن نفسه بانشقاق أو تشكيل ما أُطْلِقَ عليه «جبهة العمل الوطني»، لهدف «توحيد المعارضة حسب رؤية الثوار، وتأمين التغطية والدعم السياسيين للثورة وتأمين السلاح» بحسب ما ورد على لسان أحد أعضاء الجبهة في حديث لقناة (العربية). حدث هذا الانشقاق بعد تصاعد وتيرة الانتقاد للمجلس الذي أصبح يتهم بالترهل وبعدم الدراية بما يجري في الداخل وبمطالب واحتياجات الثوار. وفي حال استمرار المجلس على ماهو عليه من تفكك وعجز عن تنفيذ المهام التي ينتظر منه تنفيذها فإنه مرشح للانهيار جراء انشقاقات جبهوية مماثلة، يكون من شأنها مفاقمة حالة التشظي التي تعانيها الثورة السورية، ما يعني في المحصلة النهائية تأكد واستمرارية اللعب في يدي الأسد. أما على الصعيد الخارجي، عربيا ودوليا، فإن اللاعبين في يدي بشار الأسد كثيرون، وقد اختاروا لأنفسهم وبمحض إرادتهم اسم (أصدقاء الشعب السوري)، ويبدو أنهم أخطأوا في التسمية، فجملة القرارات التي توصلوا إليها في مؤتمرهم في تونس، جعلتهم يظهرون في صورة الصديق لبشار الأسد، أكثر منهم أصدقاء للشعب السوري. لهذا أتفهم عدم رضا الأمير سعود الفيصل عن تلك القرارات، وكذلك استياء المجلس الوطني السوري منها، وهم محقون في استيائهم، فتلك القرارات لم ترق إلى مستوى تطلعات الشعب السوري وتطلعات الجماهير العربية المساندة والمؤيدة له في نضاله المشروع ضد نظام بشار الأسد. إن بلاغيات الالتزام بالوحدة الوطنية وإدانة الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري واستنكار استخدامه للأسلحة الثقيلة في مهاجمة الثوار، ليس ما كان الشعب السوري، ومعه العالم كله، ينتظر سماعه على لسان المتحدث نيابة عن أصدقاء الشعب السوري المؤتمرين باسمه ولهدف نصرته. كان العالم ينتظر إجراءات عملية يصار إلى تنفيذها على الفور لوضع نهاية لنزيف الدم. لكن هذا لم يحدث، ما حدث وكان مثيرا للدهشة ومخيبا للآمال هو منح الأسد فرصة أخرى، مزيدا من الوقت للاستمرار في ارتكاب المذبحة، باتفاق الأصدقاء على عقد اجتماع ثان في تركيا بعد ثلاثة أسابيع، أو كما قال وزير الخارجية الفرنسي الآن جوبيه إن ذلك المؤتمر «سيكون بوابة لمؤتمرات أخرى تنعقد في الشهر المقبل». ليس هنالك طريقة للاستمرار في اللعب في يدي الأسد أفضل من عقد مؤتمر تلو الآخر، لمناقشة الأوضاع المتدهورة في سورية ولنصرة الشعب السوري، والخروج ببيانات لا يميزها عن بعضها البعض سوى تواريخ تحريرها والأمكنة التي شهدت ذلك. ثلاثة أسابيع إضافية من القصف والهجمات الضارية المتواصلة التي يشنها الجيش السوري في المدن السورية زمن طويل للغاية، يكفي لأن يلوح بعض المترددين والخائفين والمكلومين من السوريين بالراية البيضاء، أو أن يلوذوا بالسكون والصمت. لا أستبعد أن هذا ما يتطلع إلى حدوثه بعض أصدقاء الشعب السوري، الذين لن تفاجئني معرفة أن انضمامهم إلى نادي الأصدقاء كان لغايات ومآرب خاصة، أو نتيجة ضغوطات من أطراف ذات ثقل على الصعيد السياسي الدولي. ويبقى اللعب في يدي الأسد مستمرا.