أفاد مصدرٌ في هيئة التفاوض الممثِّلة للمعارضة السورية بأنها ستحدِّد اليوم موقفها من دعوتها للمشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة، في وقتٍ أكدت شخصيات غير محسوبة على الهيئة تلقيها دعوات أممية. وبالتزامن؛ تعهدت أنقرة بمقاطعة أي محادثات حال توجيه دعوةٍ إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وفيما أعلنت الأممالمتحدة توجيهها دعواتٍ لنظام بشار الأسد والمعارضة للمشاركة في التفاوض الذي يبدأ الجمعة المقبلة في مدينة جنيف السويسرية؛ فإنها لم تدلِ بتفاصيل عن أسماء المدعُوِّين وانتماءاتهم وعدد الفصائل المشاركة. وذكر بيانٌ للمنظمة الدولية، صدر أمس الثلاثاء، أن المحادثات ستنطلق في ال 29 من يناير الجاري. وأشار البيان، الذي نقلته وكالة الأنباء «رويترز»، إلى توجيه المبعوث الأممي الخاص بالأزمة، ستافان دي ميستورا، الدعوات إلى المشاركين «وفقاً للمعايير الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015». وتوقَّع ستافان دي ميستورا استمرار هذه الجولة على مدى 6 أشهر في قاعاتٍ منفصلة. لكن الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، تبدي تشكُّكاً، وتتهم واشنطن ب «تبني أفكار موسكو وطهران» بشأن حل الصراع. وأبدى رئيس وفد المعارضة، أسعد الزعبي، عدم تفاؤله حيال المحادثات التي قال المتحدث الأممي، أحمد فوزي، إنها ستكون غير مباشرة ولن تحظى بتغطية إعلامية واسعة. وفيما أعلنت حكومة دمشق مشاركتها؛ طالبت «العليا للمفاوضات» مِراراً بإجراءاتٍ استباقية ل «بناء الثقة» تشمل «وقف القصف الجوي» و»رفع الحصار المفروض منذ أشهر على عددٍ من المدن مثل مضايا في ريف دمشق» و«إطلاق سراح المحتجزين في السجون». واعتبر أسعد الزعبي، في تصريحاتٍ لقناة العربية الحدث، أنه «لن تكون هناك مفاوضات دون تنفيذ خطواتٍ لبناء الثقة ومنها إطلاق سراح المعتقلين». وذكر أنه «لم يكن مريحاً بالنسبة لنا أن تتبنَّى أمريكا ولو بشكلٍ نظري أو جزئي ما جاء في الورقتين الإيرانية والروسية»، منتقداً المبعوث الأممي بقوله «لا يحق للسيد دي ميستورا أن يفرض شروطه أو أن يطلب شيئاً، فهو عبارة عن وسيط ولا أكثر من ذلك». بدوره، دعا المبعوث الأمريكي الخاص بالأزمة، مايكل راتني، المعارضة إلى الانخراط في التفاوض. وعدَّ اجتماعات جنيف المرتقبة فرصةً سانحةً أمام المعارضين ل «اختبار نيات النظام» و«للكشف أمام الرأي العام الدولي عن الأطراف الجادة في التوصل إلى تسوية سياسية والأطراف غير الجادة». وتحدَّث دبلوماسي غربي عن «هدفٍ هو بدء المحادثات دون مزيدٍ من التأجيل»، لافتاً إلى «بعض التخوف من ألا تبدأ المحادثات أبداً إذا لم تبدأ قريباً». وتدعم الولاياتالمتحدة المعارضين للأسد الذي تَعُد أنه فقد شرعيته ويتعيَّن عليه ترك السلطة. لكن انتقاد المعارضة يتزايد للسياسة الأمريكية. واتهم منسق «العليا للمفاوضات»، رياض حجاب، في وقتٍ سابقٍ هذا الشهر الولاياتالمتحدة بأنها «تراجعت عن موقفها ولانَت لاسترضاء روسيا». وكان مُقرَّراً، وفق تفاهماتٍ دولية تبنَّاها مجلس الأمن الدولي الشهر الفائت، بدء التفاوض أمس الأول الإثنين، لكن خلافاتٍ حول من يمثِّل المعارضة دفعت الوسيط والرعاة الدوليين إلى التأجيل لعدَّة أيام. وسعت موسكو إلى توسيع وفد المعارضة ليضمَّ فصيلاً كردياً يسيطر على مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي في الشمال السوري. لكن «العليا للمفاوضات» لا ترى إمكانية مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلا كجزءٍ من وفد الحكومة. وبعد اجتماعٍ مساء أمس في العاصمة السعودية؛ أبلغ المتحدث باسم الهيئة، سالم المسلط، عن «إجماعٍ على أن نكون إيجابيين في الرد على الدعوة إلى حضور المحادثات»، مبيِّناً "الموقف الرسمي سيتحدد الأربعاء". وأفاد المبعوث الأممي باستهدافه بدء محادثاتٍ على مدى نصف عام تسعى في مرحلةٍ أولى تستغرق أسبوعين أو ثلاثة إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية والتصدي لتنظيم «داعش»، ثم إيجاد تسوية سياسية للنزاع الذي بدأ قبل نحو 5 أعوام وحصد أرواح أكثر من 250 ألف شخص وشرَّد أكثر من 10 ملايين آخرين. وتحدث دي ميستورا، خلال مؤتمر صحفي أمس الأول، عن قضايا أخرى «ستأتي ضمن الأولويات مثل الحكم الرشيد، وإعادة النظر في الدستور ومستقبل الانتخابات التي سيرعاها المجتمع الدولي». وأبان أن وقفاً لإطلاق النار يُفترَض تطبيقه على نطاقٍ واسعٍ، بحيث يشمل جميع الأطراف باستثناء «داعش» و»جبهة النصرة» الموالية لتنظيم القاعدة. ونفى طرح أي نقاشٍ بشأن وقف القتال ضد هاتين الجماعتين «لكن بالإمكان تعليق القتال في أماكن أخرى كثيرة»، منبِّهاً إلى أهمية التوصل إلى وقفٍ حقيقي لإطلاق النار و»ليس مجرد هدنة محدودة». واعتبر وزير الخارجية الروسي من جهته أن «من المستحيل التوصل إلى اتفاق سلام دون دعوة الأكراد» للمشاركة في العملية السياسية. ورأى سيرجي لافروف، خلال مؤتمره الصحفي السنوي أمس، أن غياب الأكراد «سيأتي بنتائج عكسية». في المقابل؛ قررت أنقرة مقاطعة التفاوض إذا دُعِيَ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إليه ضمن فريق المعارضة. ووصف وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو، الحزب ب «منظمة إرهابية ليس لها مكان مع المعارضين على الطاولة». وأبلغ تليفزيون «إن تي في» بأن بلاده ستقاطع هذه العملية إذا دُعِيَ الحزب إليها. ووحدات حماية الشعب الكردية التابعة للحزب شريكٌ أساسي للولايات المتحدة في القتال ضد «داعش». لكن أنقرة تعد «الاتحاد الديمقراطي» و»الوحدات» امتداداً لحزب العمال الكردستاني المتمرد ضدها منذ ثمانينيات القرن الماضي. و«لا يمكن لأحد إقناعنا بأن هؤلاء يسعون إلى السلام»، بحسب رئيس الوزراء التركي. ورأى أحمد داود أوغلو، في مقابلةٍ مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية، أن «الذين يعتبرونهم شريكاً شرعياً لا يعيشون واقع المنطقة». في غضون ذلك؛ أفيد بوصول دعوات حضور المفاوضات إلى بعض السياسيين السوريين غير المحسوبين على المعارضة. وأكدت رئيسة حركة «المجتمع التعددي»، راندا قسيس، تلقيها الدعوات مع كل من هيثم مناع وصالح مسلم (أحد رئيسي الاتحاد الديمقراطي الكردي) وإلهام أحمد وقدري جميل (وزير سابق)، مبيِّنةً أن الدعوات وُجِّهَت بشكل فردي. ولدى سؤاله؛ لفت صالح مسلم إلى عدم تلقيه الدعوة بعد، لكنه توقَّع مشاركة حزبه في التفاوض، دون تحديدٍ لصفة المشاركة. وأبلغ هيثم مناع بدوره عن تلقِّيه الدعوة. يأتي ذلك في وقتٍ يكثِّف فيه النظام القتال خصوصاً في مناطق الغرب السوري قبيل الذهاب إلى جنيف. وكانت قوات الأسد المدعومة بميليشيات إيرانية سيطرت أمس الأول على مدينة الشيخ مسكين التابعة لمحافظة درعا (جنوب غرب) بالقرب من الحدود مع الأردن، وسيطرت الأحد على بلدة ربيعة في ريف محافظة اللاذقية بالقرب من الحدود مع تركيا. ووصف الخبير في الجغرافيا السورية في معهد واشنطن، فابريس بالانش، ربيعة ب «ملتقى طرقٍ في المنطقة أهمها تلك التي تصل إلى الحدود التركية شمالاً». وذكر بالانش، في تصريحاتٍ له في وقتٍ سابق، أن سيطرة النظام على البلدة قد تتيح له قطع طريق تقدم مقاتلي الفصائل في اتجاه اللاذقية جنوباً «بالتالي لن يعود بمقدورهم الاقتراب أو إطلاق الصواريخ باتجاه مركز المحافظة». وتوقَّع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، أن تضيِّق قوات الأسد بعد سيطرتها على ربيعة الخناقَ على طرق إمداد مقاتلي الفصائل عبر الحدود التركية. واعتُبِرَت البلدة، التي تقع في جبل الأكراد على بعد 13 كيلومتراً من الحدود، منطقة تجمُّعٍ لعدة فصائل أهمها الفرقة الساحلية الثانية المؤلَّفة أساساً من مقاتلين تركمان وعناصر من الحزب الإسلامي التركستاني.