لشخص الأستاذ قينان الغامدي الاحترام والتقدير ولعقله وإنتاجه الكتابي النقد والجرح والتعديل. لو كنت سياسيا ونقل لي قول الأستاذ قينان عن فرقة تسمى السرورية تهدف إلى قلب نظام الحكم وهي تحاول ذلك منذ ثلاثة عقود علما أن تسعين بالمائة من أتباعها من الدراويش، ولم أر لها حضورا سياسيا في دول الربيع العربي رغم كل ما حدث، فعندها سوف أشكر الحظ الذي جلب لي كسياسي هذا النوع من الفرق!. لا أريد الكتابة بطريقة المناظرة لكنني من المؤمنين بعدم وجود فرقة اسمها السرورية وأراها شبحا أفرزته حالة نفسية وثقافية معقدة. وحق للقارئ أن يسأل الدفاع هنا عن أي شيء طالما نفيت وجود تلك الطائفة؟، وهذا سؤال وجيه إجابته في ثنايا المقال. الفكرة الجوهرية في مقاربتي هذه هي لماذا لا يمكن تصور أو فهم العمل الإسلامي إلا تحت مظلة الحزبية المرتبطة بهيكلية وتراتبية تنتهي إلى شخص واحد؟. الإجابة على هذه السؤال بعمق وشفافية تجلي كثيراً من الأمور. يعلم الجميع أن الصحوة الإسلامية كانت حراكا شاملا لكل الدول الإسلامية وغير الإسلامية وعمقها التاريخي المعاصر يبدأ من خمسينيات القرن الماضي وربما قبل ذلك، وأصبحت هذه الصحوة صحوات تشكلت لتكون نسخا مختلفة حسب الحالة الاجتماعية والسياسية لكل بلد عربي. إذن هناك نسخة سعودية من الحراك الإسلامي المسمى (الصحوة). على الرغم من إيماني أن الصحوة في السعودية ليست فرقة سرورية ولا غيرها إلا أن الواقع يقول إن الصحوة في شكل من أشكالها مارست (التفكير بطريق الحزب) وهذا المرض الثقافي مستشر في التقلبات الفكرية أيضا، فالحراك الذي سمي لاحقا بالليبرالية السعودية ليس هيكليا ولا يمكن وصفه بالحزب لكنه يمارس حتى اللحظة التفكير بطريقة الحزب!. أما لماذا يحدث ذلك فهذا موضوع مستقل قد أكتب عنه لاحقا. أمر آخر يتعلق بفكرة (التنظيم) وهو الحساسية الشديدة من أي عمل إسلامي منظم إذ يجب ربطه بالجماعات الإسلامية المعروفة وهذا إشكال تناوله المشهد الصحوي بالنقاش في التسعينيات. في ظني أن تنظيم العمل الإسلامي العام دون حزبية امتياز يحسب للصحوة الإسلامية في السعودية وهو منهج مواز وليس (خفيا) كما يحلو لبعضهم إطلاقه عليه. المنهج الموازي يطرح السؤال العميق عن سر الانزياح الكبير من الجمهور لصالحه وترك المؤسسات القائمة. من القضايا المطروحة ربط الصحوة الإسلامية بالقاعدة ومن ثم داعش كنتيجة حتمية لخطاب وأداء الصحوة، وهذا الأمر لا يخلو من كثير من المغالطات وفهم طبيعة المشهد والتقاطعات الحاصلة على كل المستويات. لا يصح أن نخجل من أفعال القاعدة وداعش مادام المنهج الشرعي واضحا ويفرزه ويحلله علماء الشريعة، وينقده ويراجعه المفكرون والمثقفون المسلمون، ولا يصح (قهر ضمائر) المجموع بسبب الاستعداد النفسي الموجود عند الأفراد المؤهلين للتطرف نتيجة تقاطع المفاهيم الصحيحة مع أخطاء التطبيق. لقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخوارج والفرق الضالة مبكرا ولم يفكر صاحب عقل صحيح أن يجعل العيب في الإسلام ونبيه الكريم. لقد كان العمل الإسلامي محتاجا للترشيد كما طالب بذلك بعض العلماء والمقصود بالترشيد هو ضبط (الحالة الرسالية) في حس الأفراد وهذا مسلك تربوي مارسته الصحوة ونجحت فيه من جهة وأخفقت من جهة أخرى. كانت الصحوة الإسلامية حراكا حرا بمعنى الكلمة وهي صورة وضيئة للفعل المدني الحديث وإن بدا دينيا -هكذا الإسلام- والدليل أنها كشفت كل شيء -الإيجابي والسلبي- ومهدت للوضع السياسي والفكري الحالي وهناك كثير من (الأسرار الشريفة) في مرحلة الصحوة التي لم تتجاوز عقدا واحدا من الزمان كحراك وحيد في الساحة من 1985 وحتى 1995 التي يمكن الحديث عنها كمشهد إنساني ثقافي اجتماعي يستحق الإشادة بمنجزه ونقد إخفاقه. إن التعاطي مع الصحوة كبنية واحدة متماسكة يؤدي لما آل إليه -خطأ- الأستاذ قينان والصحيح النظر إليها من حيث الناشط والنشاط والفكرة وتتبع المسار والمآل، هذا سيفتح للصواب آفاقا. على المثقف المراجعة وتجاوز المناكفة والأداء الحزبي ومراجعة التاريخ بروح معرفية خادمة للمستقبل. هذا وقد يكون للمقال بقية…