لا علاقة للموضوع بفكرة السجن أو المنع، بل الأسر هنا كإحدى تجليات الحالة الثقافية والفكرية لدينا، وليس الشيخ سلمان أنموذجاً وحيداً هنا، بل يشاركه غيره من الرموز من كافة الأطياف، لكنَّ الشيخ العودة يصلحُ كأنموذج صارخ ظاهر المعالم. في فلسفة البحث عن (بطل) أو (خصم) يتم أسر الشيخ سلمان في حراك التسعينيات الميلادية، وتهيمن تلك الصورة على تفكير كثير ممن يقترب من الشيخ، وكما قلتُ في مقالات سابقة؛ فإنَّ حِرَاكَ التسعينيات مهمٌّ جداً ويحتاج لمزيد من التشريح العادل لتلك المرحلة؛ لأنَّها من أهم المراحل بخطئها وصوابها. يقول الأتباع والموافقون: لا تبتعدْ؛ فمَن يمثلُنا في قضايانا ويكون له عند كل نازلة محاضرة وشريط، وقد قال الشيخ مؤخَّراً (ليس شرطاً أن يكون لك في كل مسألة رأي)، ويقول المخالفون: إيَّاكَ أن تقتربَ منَّا؛ فمَن لنا نقتات على نتاجه ونخاصمه ليلَ نهارَ، وكيف نفعل عند ما ينفد وقود ردة الفعل؟ وكيف نبقى دون ممارسة (التعقيب الثقافي)؟ على حد تعبير الأستاذ زياد الدريس. ومن صور الأسر، طريقة التفكير بعقلية (الحزب)، فنجد – بقصد أو دون قصد – صعوبةَ فهم الحراك المستقل للمفكرين والمثقفين من كل التوجهات؛ فعقدة التآمر والانتماء الحزبي تُهيمنُ على المشهد برمَّتِه، خاصَّةً في الاتجاه الإسلامي، وهذا أمر يعطِّلُ كثيراً من خطوات التقدم، ويوقع في أسر التحريض السياسي والاجتماعي تحت مظلة محاكمة الشخوص لا الأفكار! وحتى القنوات المحافظة تصرُّ على إيقاع الشيخ سلمان في أسر الخلاف والخصومة ومحاسبة التغير، فعند أي لقاء معه أصبحت تعرف مسبقاً نوع الأسئلة الموجَّهَة له، وقد ضاق الشيخ ذرعاً ذاتَ لقاء، وطلب من المقدِّم ومِن غيره الخروجَ من عباءة الشخصنة، والانطلاق نحو أفكار تخدم الجميع كمشاريع فكرية مثل هموم النهضة والتخلف والاستبداد، لكن يبدو أنَّ الأسر في الخصومة مؤثِّرٌ حتَّى على الشيخِ نفسِه، فخرج مثلاً كتابه (شكراً أيها الأعداء)، فضلاً عن تعليقاته في «تويتر» حول ذات الموضوع. وهنا نتساءل: ما هو مشروع الشيخ سلمان العودة؟ لقد قال الشيخ سلمان يوماً مفكِّكاً الصحوةَ الإسلاميَّة إنَّها قدمت فكر (التمكين) على أفكار (النهضة)، فهل كان هذا الأسر وبصوره المختلفة عائقاً عن خطوات يقوم بها الشيخ سلمان العودة – في اتجاه مشروع ما- غير الانفتاح على كافة الأطياف والحوار مع الجميع ليكون فقط جسراً يعبر عليه قادمون جدد؟ لقد تحدَّثتُ عن سلمان العودة مأسوراً، أمَّا كونه آسراً؛ فهذه كالنهار، لا يحتاج إلى دليل، وكل حي يُؤخَذُ منه ويُرَدُّ عليه. همس الختام: دائماً ما يأتي الكاتب الأسبوعي متأخراً.. وأقدم هنا – ولو جئت متأخراً – شكري وتحياتي للأستاذ قينان الغامدي، وهو صاحب فضل ومبادرة، كما أدعو بالتوفيق للأستاذ جاسر الجاسر لإكمال المهمة في صحيفتنا الرائدة، حيث كل الجهات «شرق».