احتضنت المغرب اجتماعا لوزراء خارجية دول المغرب العربي، وذلك بعد فترة طويلة نسبيا من الانقطاع. تزامن ذلك مع جولة مغاربية قام بها الرئيس التونسي منصف المرزوقي قادته إلى كل من المغرب وموريتانيا والجزائر. الهدف من الجولة هو محاولة إخراج اتحاد المغرب العربي من غرفة الإنعاش وحقنه بجرعة تعيد له الحياة، بعد السكتة القلبية التي أصيب بها على إثر ولادته. مسعى المرزوقي له عوامل من شأنها أن تضفي عليه قدرا من الشرعية، وهي : أولا: الحكام الذين أسسوا الاتحاد بمدينة مراكش عام 1989، والذين أسهموا فيما بعد بنسب متفاوتة في عرقلته وإجهاضه، قد اختفوا من السلطة بأشكال متعددة، وهم الملك الحسن الثاني (موت)، ثم الرئيس الشاذلي بن جديد (استقالة)، والرئيس بن علي (هروب من ثورة الشعب)، والعقيد القذافي (القتل الجماعي)، والرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطائع (انقلاب عسكري). ثانيا: حدثت ثورة في كل من تونس وليبيا، وتوسعت دائرة الإصلاحات في المغرب، وهو ما خلق مناخا جديدا على الصعيد المغاربي، وأحدث ما وصفه المرزوقي بتحول في «الظروف النفسية». تغيرت الوجوه، واختلف الخطاب، وارتفعت نسبة الأمل في التغيير وفي المستقبل. فالقيادات الحالية لا تحمل في معظمها على الأقل تركة ثقيلة من الماضي المتعثر. ثالثا: صعود الإسلاميين في كل من تونس والمغرب إلى السلطة، وحصولهم على وزارة الخارجية في كل منهما، يجعلهم قوة حريصة على تذليل الصعوبات، وتحقيق قدر من التقدم والتعاون على الصعيد المغاربي. كما أن وجود رئيس تونسي يحمل توجهات عروبية ووحدوية، إلى جانب وجوده هو أيضا يشكل عاملا من شأنه أن يدفع في نفس الاتجاه. يمكن القول إن حصيلة الجولة المغاربية للمرزوقي جاءت في عمومها إيجابية. فهو قد نجح في إثارة الاهتمام من جديد بموضوع الاتحاد، وجعل من إمكانية عقد قمة مغاربية في تونس قبل نهاية هذه السنة احتمالا واردا. لكن بالرغم من هذه الحركية لا تزال مشكلة الصحراء الغربية تجثم بكل تعقيداتها على المشهد المغاربي. هذه المعضلة التي سممت الأجواء الإقليمية منذ عشرات السنين، ولا تزال تشكل عقبة كأداء أمام تفعيل أي شكل من أشكال العمل الوحدوي. وعلى هذا الأساس، ما لم يحصل تقارب جدي بين الجزائر والمغرب، فإن الرهان التونسي أو غيره سيصطدم بواقع شديد التعقيد. ولهذا تعتبر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي د. سعد الدين العثماني، إلى الجزائر محملا برسالة من الملك محمد السادس إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إيجابية في دلالاتها. لقد خففت من حالة التوتر بين البلدين، وجددت احتمال عودة المشاورات بينها حول القضايا المعلقة بينها. وفي هذا السياق اقترح الرئيس التونسي منهجية برغماتية تقوم على قاعدة ‹›العقبة التي لا يمكن التغلب عليها لابد من وضعها جانبا››. هذا يعني ترك ملف الصحراء للأمم المتحدة، وتركيز النقاش بين حكومات المنطقة حول ما سمّاها بالحريات الخمس، وهي حرية التنقل وحرية الإقامة وحرية العمل وحرية الاستثمار وحرية الانتخاب في المجالس البلدية. لكن مع أهمية ذلك، فإن العلاقات الجزائرية المغربية لا تزال بمثابة الصندوق المغلق. وقد حاول الرئيس التونسي فتح هذا الصندوق، وذلك من خلال التعبير عن استعداده للقيام بوساطة بين البلدين من جهة وبين الجزائر وليبيا من جهة أخرى، فكان الرد الجزائري قاسيا نسبيا، وذلك على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية الجزائرية الذي اعتبر أن اقتراح المرزوقي «غير ضروري لأن القنوات الدبلوماسية بين هذه الدول مفتوحة وبإمكان هذه الدول أن تتوصل إلى تفاهم يرضي الجميع في حال توفر الإرادة الصادقة لديها من دون الحاجة إلى وساطة»، مضيفا أن «مسألة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب هي مسألة سيادية لا دخل لغير هذه الدول فيها». لقد جدد حكام المنطقة تمسكهم بمشروع الاتحاد، لكن ما بين التعبير عن النوايا والاستعداد الفعلي لترجمة ذلك على أرض الواقع مسافات شاسعة. ولهذا السبب يجب انتظار الأسابيع القادمة لاختبار مدى وجود إرادة سياسية فعلية من شأنها أن تعزز الجهود التي تبذلها حاليا تونس في هذا الظرف الاستثنائي. لأن الإبقاء على الوضع الراهن هو استمرار في الاتجاه المتعارض مع حركة التاريخ. حتى الدول الغربية التي عرفت بموقها العدائي من كل محاولة وحدوية قامت في العالم العربي، قد غيرت موقفها منذ زمان، وأصبحت من أشد المشجعين على توحيد السوق المغاربية لأسباب اقتصادية. وهي خطوة أساسية لو كتب لها أن تنجح، فإنها ستساعد على إخراج المغرب العربي من الهامش الضيق الذي تتخبط فيه حكوماته ونخبه منذ زمن طويل. المغرب في ظل الحكومة الجديدة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية وتولي رئيس مجلسه الوطني الدكتور العثماني تدبير الملف الدبلوماسي، بدد من خلال حراك دبلوماسي نشط الجمود الذي طبع علاقات بلاده مع كل من الجزائر ونواكشوط في إطار عقلاني محكوم بالتفهم والتفاهم حول الملفات العالقة بين الرباط وكل من الجزائر ونواكشوط، وإن كان بعضها مضى على فتحه عقود دون أن يغلق. وقال إنه خلال زيارته للجزائر التي استقبل في إطارها من طرف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، كان هناك تطابق تام في وجهات النظر، وكنا نتحدث لغة واحدة هي أن بناء اتحاد المغرب العربي أولوية المرحلة وأفق استراتيجي مشترك متفق عليه بين الجميع.