هب أنك دخلت سوقاً كبيراً وله عديد من البوابات، وكل بوابة تُفضي لموقف كبير لا تستطيع الخروج إلا من خلالها للوصول إلى مركبتك، تخيل أنك لا تعرف رقم تلك البوابة التي دخلت منها لذلك السوق الكبير، لا شك أن ذلك سيكلفك كثيراً من الجهد والوقت، وربما قد لا تصل إلى مركبتك بالكلية. إنه واقع الإرهاب أشبه بذلك السوق له عديد من البوابات، لن نصل للحلول الناجعة، مهما عملنا، طالما أننا لا نعرف بوابات الدخول لعالم الإرهاب. لم يعد من المقبول التعاطي مع ظاهرة الإرهاب من خلال التركيز على نتائجه للتحكم فيه، كما أنه ليس من المعقول التعاطي مع ظاهرة الإرهاب من خلال المحاولات والتجارب. برهن علم النفس، بصفته علم السلوك والعمليات العقلية، على أن هناك خمس نظريات نفسية «وليدة دراسات تجريبية ووصفية دقيقة» لتفسير وفهم وتحليل الظواهر السلوكية، بما فيها الإرهاب والعنف كونهما ضمن الحلبة السلوكية، وبالتالي فإن هناك خمس بوابات للولوج لمستنقع الإرهاب، يضاف لها مخرج واحد للطوارئ. مجموعة هذه البوابات الخمس الكبرى هي النظريات النفسية العلمية التي فسرت الإرهاب وهي: نظرية التحليل النفسي «Psychoanalysis»، النظرية السلوكية «Behavioral»، النظرية المعرفية «Cognitive»، نظرية التعلم الاجتماعي «Social Learning»، النظرية الإنسانية «Humanistic»، يضاف لها النظرية البينية للصراع «Interpersonal Conflicts». يرى المنظور التحليلي أن غريزة العدوان تطفو على سطح الأنا لضعف مخرجات الأنا العليا، هنا يقبل الواقع «الأنا» تلك النزعة العدوانية لتخرج بسلوك إرهابي، ولربما أن نزعة العنف هي محصلة معاناة داخلية تتجسد فيما يُعرف بعقدة النقص (Inferiority) لتخرج كصرخة للتعبير عن تلك العقدة، وقد يقال إن العدوان إرث اجتماعي تتناقله الأجيال بصورة شعورية أو لا شعورية جمعية. يرى المنظور السلوكي أن ظاهرة الإرهاب مُكتسبة ومُتعلمة من البيئة وفقاً للقوانين السلوكية، بمعنى أن الإرهاب يُكتسب بفعل التعلم ومن ثم يُعزز ويُدعم ليصبح سلوكاً، وفي ذات الوقت قد يُكتسب الإرهاب وفقاً لقوانين التقليد والمحاكاة والملاحظة من خلال تبني نموذج أو رمز يتصف بنفس السلوك ومن ثم تقليده ومحاكاته، كما يراها منظرو التعلم الاجتماعي. قد يعود الإرهاب إلى معتقدات خاطئة وتشويه فكري وأفكار غير عقلانية في قراءة الواقع المعيش، أو التفسير للمتشابة من النصوص الشرعية وفقاً لأجندة مؤدلجة مسبقاً، وهذا ما يراه المنظور المعرفي. يرى المنظور الإنساني أن عدم تحقيق الذات «Self-actualization» أو تحقيق الذات المشروط نظراً لعدم كفاية تقدير الذات «Self-esteem» قد يصنع قاعدة لسلوك العنف للتعبير عن ذلك العجز الشخصي. كما أن الصراعات البينية «مستعصية الحلول» قد تساهم بدرجة كبيرة في جاهزية الشخص للعنف ومن ثم الإرهاب. أجمعت تلك النظريات بلا استثناء على أن الخبرات السابقة المبكرة السيئة (Early Bad Experiences) التي يتعرض لها الفرد هي القاعدة الرئيسة لنشاة الإرهاب ومن ثم يرتسم مساره وفقاً لتلك النظريات النفسية. الخلاصة أن كل إرهابي، بغض النظر عن دينه، لونه، جنسه، معتقده، أو طائفته، منذ أن وطئت قدم آدم عليه السلام الدنيا إلى يومنا هذا لم يمسِ ليُصبح إرهابياً، وإنما دخل عالم الإرهاب من خلال تلك البوابات السابقة الذكر ولن يخرج البتة إلا من البوابة التي دخل منها. المُعضلة الكؤود هنا هي كيفية معرفة بوابة الدخول ليسهل الخروج منها!!!