حينما يَكتبُ عنك مَنْ هو أفضلُ منك؛ فما ذلك إلا محبة خالصة في الله، لا يقدر عليها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، التي «تعبت في مرادِها الأجسادُ»، أدركُ أنكم ستتذكرون أبا الطيب المتنبي، لكنني أقصد صاحب المقولة الشهيرة: «الزميل أبو الطيب الكذاذيبي» وهنا أدرك أنكم ستذكرون الكاتبَ الأشهر، أبو الحِبر الأحمر والأخضر، أقصد: الأقشر محمد السحيمي، الذي يقول للمخطئ أخطأت، حتى لو كان خليله صالح الشيحي، وللمُحسنِ أحسنت، وإنْ كان «سيجموند فرويد، وعقله الباطن»، مع أنه يخالفه الرأي فيما يتعلق بوجود عقل باطن واحد للإنسان، مستدلاً بأن الإنسان العربي الواحد يتميز بعقول باطنة بلا حدود.. وقد علق كثيراً، مخالفاً أو موافقاً رأيي، حين قلت: أما مسألة العقل، فهو عندي: له باطن، وليس للباطن عقل، فينبغي أن نقول: مشاعرَ باطنة، لا عقلاً باطناً؛ ذلك أن العقلَ يختلفُ في وظيفته عن وظيفة المشاعر والعواطف. السحيمي: نعناع المدينة العبق، ونخلها السامق، وقلمه ينقش كرسم الطفل الذي يرسم ما يؤمن به، لا ما يعرفه الآخرون، وهو كالماء، منه يحيا الإنسان وفيه يموت، كما قال الشاعر الذي رأى حبيبه يغرق في النهر: يا ماءُ مالك قد أتيت بضِدِّ ما قد جاءَ عنك مخبرٌ بعجيبِ اللهُ قال بأنّ فيكَ حياتنا فلأيِّ شيءٍ مات فيكَ حبيبي الكاتب الكبير الأستاذ عبدالله مهدي الشمري، كتب عن شخصي البسيط، حلو الكلام، وهو أحق به، وخليقٌ بأن يَكتبَ عنه مَنْ هو خيرٌ مني، ولكن تواضعه الرفيع، ومحبته الصادقة؛ جعلته يكتب عني ما كتب، في الوقت الذي جرت العادة «الشاذة» ألا يذكُرُك مَنْ تمتهن مهنته، بما يرفع من شأنك، وهذا- لعمري- إنْ حدَثَ كثيراً أو قليلاً، فإنه فِعلٌ غير محبوب، لكن عبدالله كسر منهج هذه المقولة الخانقة. أستاذنا الباسم «السحيمي»، الذي لا شك عنده ولا تطريز ولا تخريم، كتبَ من منصته في الزميلة العزيزة «مكة» مقالاً على مقال أستاذنا القدير عبدالله الشمري، مؤيداً ما ذهبت إليه، مِن أنّ الكتابة ليست واجباً مدرسياً، يكتبه التلميذ بناءً على طلب معلمه في المدرسة، وعاد فكتب في اليوم التالي مستحسناً مقالاً لي بعنوان: «دعوة الكُتّاب للإضراب عن الكتابة»، ولكنني أهديه مأثورة من الأدب الفرنسي تقول: «ويبقى دوماً ركنٌ صغيرٌ للكتابة» Resteras toujours un petit coin pour écrire. أخِلائي.. ما أجمل أن نرى أصدقاء يحيطون بنا، يصنعون مِنّا ما نفتقر إليه، كمحمدٍ، وعبدالله.. وهو عَينُ ما يفعله كثيرٌ من زملائنا الكُتَّاب، أمثال الأديب الشاعر الأستاذ أحمد الحربي، والكاتب القدير خالد السيف، والدكتور شاهر النهاري، والمهندس غانم الحمر، والأستاذ حسن مشهور، والدكتور صالح الحمادي، وحبيب الكُتَّاب الخلوق: الإعلامي الشاعر الكاتب الأستاذ عبدالوهاب العريض، وكذلك الأحبة القراء، وأسماء كثيرة دون نهاية، فإن رأيتموني انتهيت؛ فهذا يعني أنني مازلت أبحث كيف أبدأ.