«الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    الهلال يهدي النصر نقطة    لحظات ماتعة    ما سطر في صفحات الكتمان    السدرة وسويقة.. أسواق تنبض في قلب الرياض    «التلعيب» الاستراتيجية المتوارية عن المؤسسات التعليمية    ثمرة الفرق بين النفس والروح    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    بندقية للإيجار !    جودة خدمات ورفاهية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    مدرب الأخضر يستبعد عبدالإله العمري ويستدعي عون السلولي    الأزرق في حضن نيمار    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    حقبة جديدة    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    الحياة قوانين وليست لعبة!    «زهرة» تزرع الأمل وتهزم اليأس    مقال ابن (66) !    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    «دار وإعمار» تكشف مشاريع نوعية بقيمة 5 مليارات ريال    رحيل نيمار أزمة في الهلال    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    ليل عروس الشمال    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السحيمي «ولد عتقا».. من سجين ممنوع من المنابر الإعلامية إلى أشهر كاتب ساخر

أحيانًا يحقق الإنسان النجاح، ثم تأتي طيور الظلام لتفسد ما صنع، وتنثره بعيدًا في الفضاء، وبعدما يبحث الإنسان عن مبررات فرحه باعتباره كائنًا حقق نجاحًا، يصبح باحثًا عن دفوع ضد اتهامات لم يقترفها، وبينما يجد الإنسان نفسه بلا درع يصد السهام عنه، إذا بنافذة تنفتح له من بعيد، وإذا بيد تمتد منها، لنتشل ذلك الإنسان بعيدًا، تمامًا مثلما جاء العفو الملكي لينقذ محمد السحيمي، ويكتب قصته من جديد.
تابعت الرجل في محنته وهو يواجه حكم التعزير بشهادات زور، وقبل المحنة، وهو يكتب مقالاته الساخرة، ويكتب المسرحيات التي تؤسس للقيم الإنسانية، ولقيته بعد أن صدر له العفو الملكي له، كان كل ما يشغلني كيف أعاد العفو كتابة قصة رجل كان على وشك الأفول.
ولدت كاتبًا بعد خمس دقائق من الولادة:
يقول السحيمي محاولًا تفسير الواقع من خلال النبوءات التي سبقت ولادته: ولدت في البادية، بوابة المدينة الشرقية، الصويدرة كانت عبارة عن بئر ماء للبدو يردون عليه ويصدرون، ويأتون ويرحلون، ليست هناك إقامة في ذلك الوقت، فأنا ولدت في البادية لأبوين بدويين مترحلين، ولولادتي قصة أربطها بالكتابة، وأكررها باستمرار، وهي أني ولدت كاتبًا بعد خمس دقائق من ولادتي، فأمي واسمها عتقاء وتعني الجميلة، البدويات إذا فاجأهن المخاض يبتعدن عن الحي ولا يأخذن معهن إلا المولدة، امرأة قريبة وحميمة، فكانت زوجة خالي وهي من أناديها بخالتي فاطمة هي التي ولدت أمي، وهي تحكي لي هذه القصة، وهناك أسطورة شعبية في البدو والحاضرة، وهي أنه حينما يولد المولود يربط الحبل السري في شيء ما، وهذا الشيء يتفاءل به فيما بعد، فإذا ربط الحبل السري في سيف يصبح المولود شجاعًا مقدامًا، وفتشت خالتي فاطمة، تريد أن تربط حبلي السري بشيء ما فلم تجد سوى قلم رصاص أخرجته من خرج ابنها الذي كان عائدًا لتوه من الهجرة في المرحلة الابتدائية في وقت الضحى، ومرت الخالة فاطمة في الحي وبشرت بأن عتقاء أمي قد ولدت ولدًا، وأن هذا الولد سوف يصبح “كيتب” بحسب نطقها البدوي تفاؤلًا بأن حبلي السري ربط بقلم قبل أن يجف.
وقد جاء اللفظ “كيتب” على صيغة المبالغة مثل هيثم وبيرق، ولم تكن تقصد ذلك، وإنما كانت تقصد أن أكون متعلمًا، حسن الخط، وفعلًا تحققت نبوءة الخالة، ويبدو أني سولت لي نفسي بما هو أكبر من ذلك فأصبحت كاتبًا مسرحيًا، وكاتبًا يوميًا.
موجع كما يقولها البدو:
ويواصل السحيمي تصوير ذلك الوضع الخاص الذي توفر له، ولم يتوفر لسواه من إخوته: والدتي توفيت وأنا لم أتجاوز الثالثة من عمري، كنت الابن قبل الأخير بين إخوتي، وكل إخوتي يقولون إنني كنت المدلل بينهم، وقد ماتت أمي وهي توصي إخوتي بي وليس بأخي الأصغر مني، لأنني كنت موجعًا بلغة البدو وتعني كثير الأمراض، وكان عندي مرض الصرع، وهو عبارة عن زيادة في شحنات الكهرباء في المخ، بعد ذلك لا أذكر أي رحلة من مراحل حياتي إلا وابتليت فيها بمرض في جسدي، في المراهقة ابتليت بالحمى الروماتيزمية ومن حسن حظي أنها انتقلت إلى المفاصل وليس إلى القلب كما هو معتاد في حالات الإصابة بها، وظللت مدة عام كامل مقعدًا لا أستطيع الحركة، ثم ابتليت بالربو بعد ذلك وشفيت منه، وأصبت بالاكتئاب النفسي، ثم شفيت منه، وأنا والحمد لله الآن أصبت بالسكري.
لكن الوالد ابن البادية لم يرحل إلى الحضر إلا بسبب السحيمي، يقول: والدي بلغ الخامسة والخمسين من عمره وهو بدوي (يعيش في البادية) ثم قرر الرحيل إلى المدن بسبب وصية أمي له بحثًا عن فرص العلاج لي، فهذه الفرص ضئيلة بالبادية، وانتقلنا إلى جدة فترة الطفرة العمرانية ما بين 1974 ميلادية إلى 1996م، هذه النقلة كانت بمثابة نقلة لحياة أخرى مغايرة، من قمة البداوة إلى قمة الحضارة، كنت جاوزت الثامنة من عمري، لم أكن قد دخلت المدرسة بعد، فقد دخلت متأخرًا مدرسة مالك بن أنس في حي بني مالك بجدة، ذلك الحي الذي صار حاليًا من أكثر الأحياء شعبية.
جسمي النحيل أنقص من عمري عامين:
ويواصل الحديث عن بدايات الرحلة إلى عالم التعليم قائلًا: أخذني والدي البدوي الذي لم يكن يعرف أن للمدرسة توقيتًا محددًا إلى المدرسة بعد انتهاء الطابور المدرسي، ولم أكن الوحيد الذي دخل المدرسة في الثامنة من عمره، فقد كان من زملائي من بلغ الثانية عشرة، لم تكن مسألة السن حاسمة في سنوات التعليم الأولى، صحيح أنه تم استخراج شهادة ميلاد لي تفيد بأن سني ست سنوات لكنه كان تزويرًا أعترف به، فالطبيب الذي قام بتسنيني لم يعطني أكثر من ست سنوات، كان جسمي ضئيلًا، فقد جمعت بين النحافة وقصر القامة، مسح مدير المدرسة الأستاذ عبدالله الفريح على رأسي، ولم يشأ أن يجرح والدي بأنه جاء متأخرًا مكتفيا بالنصح ألا نتأخر مرة ثانية.
ويضيف السحيمي: ثم انتقلنا إلى المدينة بعد عامين والتحقت بمدرسة السقاف الابتدائية، وأذكر أن مديرها الأستاذ عبدالله الأحمدي أهم من أثر في، فقد كان يربي ويعلم أكثر من الأب، وترك بصمته علي أنا وإخوتي، وقد التقيته بعد عشرين عامًا في الحرم، وبمجرد أن ذكرته بنفسي سألني عن إخوتي بأسمائهم، وكان يدرس لنا مجموعة من الشباب، أذكر منهم الأستاذ عبدالحميد الغضبان الذي يكبرني بإحدى عشرة سنة، ومع هذا يصر أن يقدمني في المناسبات المختلفة بقوله “هذا ابني”.
ويرصد السحيمي بداياته نحو عالم الكتابة الأدبية قائلا: أصبحت أكتب بخط جميل وأقرأ بعد شهرين فقط من دراستي بمالك بن أنس، وفي مرة كتبت سورة قريش بخطي وأعجب بكتابتي إخوتي، واعتقد معلمي أنني استخدمت الشفاف ولكنني كتبت أمامهم، كل شهر كان هناك مقياس للمستوى، وهناك ترتيب يتنافس الطلاب عليه.
راعي موهبتي المسرحية:
ويتذكر السحيمي مدير الإدارة التعليمية الأستاذ عبدالعزيز الربيع رحمة الله عليه، وهو أستاذه
الحقيقي وراعي موهبته المسرحية قائلا: كانت له بصمة على التلاميذ في ذلك الوقت، كان يرعى المواهب، وقد بدأت الكتابة المسرحية مبكرًا، ولي تجربة في الكتابة المسرحية في الصف الخامس الابتدائي، وقد درس الربيع بالقاهرة في المعهد العالي للفنون المسرحية وحصل على شهادة بتقدير جيد جدًا، وأصبح رئيسًا للنادي الأدبي بالمدينة ورئيسًا لنادي الأنصار وحرص على نشر الثقافة المسرحية، وظل مديرًا للتعليم مدة ثلاثين عامًا.
ويتحدث عن استعداداته التي جعلت الجميع ينتبهون إليه وهو صغير: كنت أتحدث بطلاقة منذ السنوات الأولى من ولادتي، وكانت أمي تفسر الصرع الذي أصابني بأنه عين، وكان لوالدي دور في هذه الفصاحة التي تمثلت في حفظي الشعر وروايته، فقد كان يأخذني إلى مجالس البادية التي كانت مدارس للفصاحة لما تغذي به من جرأة وتفتيق للمواهب وتفتيح للخيال.
ويواصل: في مدرسة السقاف كنا نبني المسرح بأيدينا، اشتغلنا نجارين لهذا الغرض، بينما كانت المدارس الأخرى بها مجهزة مسرحيًا، لكن كانت تجربة البناء أجمل لأنها علمتنا أن نعرف الأجزاء الدقيقة والتفاصيل.
كان الربيع يقوم بتدريبنا وإعدادنا مسرحيًا، يشرح لنا المصطلحات المسرحية، تجربة بناء المسرح لا الفرجة فقط أثرت فينا تأثيرًا كبيرًا ونحن بعد صغار، وغرست فينا حب المسرح.
كنت أتكلم بطلاقة، وبجرأة، وهذا لفت الانتباه إلي وبخاصة أن جسمي كان نحيلًا، وكان عبدالعزيز الربيع مدير الإدارة التعليمية يحضر بصفته مسؤولًا عامًا عن المدارس، وهو دور يملي عليه أن يكون محايدًا، لكنه في مرة لم يستطع أن يكون محايدًا، فقد تبرع بمائة ريال لي كجائزة مالية من جيبه الخاص، وفي موقف آخر طلبت منه أن ينصحني فقال: لا ترض بأنصاف الحلول، وهو ما أسير عليه اليوم، قرائي لا يقفون في المنطقة الرمادية، فإما أن يكرهني قارئي كراهية إبليس، وإما أن يحبني حب تقديس.
إلغاء نظام الساعات أساء إلى التعليم:
وينتقل السحيمي إلى الحديث عن المرحلة الثانوية منتقدًا نظام التعليم الحالي: ظللت بالمدينة إلى أن حصلت على المتوسطة، وفي المرحلة الثانوية انتقلت إلى جدة والتحقت بثانوية بدر الشاملة، وقد كانت تعتمد على نظام الساعات، وعممت التجربة، ثم جاء قرار وزارة المعارف بعد عشر سنوات بإلغاء نظام الساعات والعودة إلى نظام الكتاتيب المدرسية كما أسميه، وهو قرار برأيي خاطئ جدًا وأعده من أسباب انحدار التعليم.
من الطب إلى الكتابة:
وينتقل حديث السحيمي إلى المرحلة الجامعية التي جاءت تحقيقًا لأحلام راودته في المراحل الأولى للتعليم، يقول: في المرحلة المتوسطة كنت أتمنى أن أصبح طبيًا، أو كاتبًا، وكتبت موضوع تعبير عن هذا، وتحقق حلم الكتابة. صحيح أنني حصلت على مجموع عال في الثانوية العامة 92 بالمائة، وتم ترشيحي لدخول كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك سعود، وكان عميد الكلية الدكتور أسامة شبكشي الذي صار وزيرًا فيما بعد واجتمع بنا، وأمضيت ثلاث سنوات بالكلية، كنت أعالج من الربو وأصابتني الأدوية بالاكتئاب فلم أواصل الدراسة، فالطب يحتاج إلى نفسية قوية وصبر، وكل ميسر لما خلق له، ووجدتني غير قادر على مواصلة الدراسة بكلية الطب فقمت بالتحويل إلى دراسة اللغة العربية وآدابها بالجامعة الإسلامية، لم أستشر أحدًا قبل أن أتخذ قراري لكنه كان علاجي الفعال، صحيح أنه ترك علامات استفهام في المحيط العائلي ووجد إجابات من مثل أنه عين أو أنها حماقة مني، لكن بعد مرور السنوات أراه قدرًا مرسومًا.
الجامعة الإسلامية أنقذتني من مصير بن لادن:
ويبتسم الكاتب الساخر قائلا: كانت الفترة التي تركت فيها جامعة الملك سعود فترة صحوة إسلامية وحديث قوي عن الجهاد، وكأن الله أراد أن ينتشلني من هذا الجو المهيمن بالرياض، والذي وجد امتداداته في أفغانستان فيما بعد، ولو كنت مكثت بجامعة الملك سعود لكان من المحتمل أن أواجه مصير أسامة بن لادن، أما في الجامعة الإسلامية بالمدينة فقد انشغلت بالاختلافات الفقهية ومعرفة الدين.
هددت بالفصل من الجامعة بسبب الحداثة:
ويضيف: أنا هددت بالفصل من الجامعة الإسلامية مرتين والسبب أنني لم أكن أسكت على رأي مختلف فيه، كانت الأخبار قد سبقتني إلى الجامعة الإسلامية كوني حداثيًا، وأتعامل مع الحداثة والحداثيين، وكنت على وشك أن أفصل من الجامعة لولا تدخل ابن عمي الدكتور عبدالله السحيمي بمجلس الجامعة الذي تعهد برعايتي والشد على يدي، ومع توالي الأحداث تكونت شخصيتي الصدامية بهدوء.
الدائرة السوداء:
ويذكر السحيمي من المواقف التي وضعته في الدائرة السوداء رأيه في الزواج من أخرى، فيقول: بن باز أفتى أن المرأة التي يتزوج زوجها ويلمس منها الاحتجاج فهي على أبواب الكفر، لأنها تنكر حقًا من حقوق الزوج فقلت النبي في حديث عنه ورد في صحيح البخاري أنكر أن يؤذي علي ابنته بزواجه من أخرى دون أن يستأذنها، وقال: ما يؤذي فاطمة يؤذيني. ويقول: عاصرت اعتراضات الطلاب والأساتذة على العلوم التربوية وقولهم العلم هو ما قال الله وما قال الرسول فقط.
ويضيف مدافعًا عن صداميته: أنا تعاملت مع المواقف التي واجهتني بطبيعتي دون إحساس ببطولة ما، تعاملت مع الشيعة باعتبارهم إخوة في الدين، هكذا نتعامل معهم في المدينة، لم أشعر بوجود خلاف إلا عندما اصطدمت بالتيارات الدينية التي عرضت لهذا الخلاف التاريخي والفقهي.
في عملي كمعلم تعرضت لأسئلة كثيرة عن السنة والشيعة وعن الغناء، وكنت أجيب بما أعلم وهو أن هذه المسائل خلافية ولا تصل إلى درجة الكفر، وأنا أميل في قضية الغناء إلى أنه حلال، وكانت مجازفة مني أن أقول هذا الرأي في ذلك الوقت، لكن سألت نفسي ماذا لو لم تقل هذا الرأي؟ أنت حامل رسالة.
عفو خادم الحرمين فك سجني وكربتي:
وبمجرد أن عرفوا أن أستاذي في الماجستير والمشرف على الرسالة هو الدكتور عبدالله الغذامي وموضوع الرسالة الدكتور طه حسين بدأوا يمارسون سلطاتهم ضدي وهي سلطة الوشاية لدى الزملاء والتلاميذ والمديرين وكتابة التقارير ضدي ورفعها إلى أولي الأمر، والموضوع بالأساس خلاف بين الأقران والزملاء، وجهات نظر في أمور الحياة لها ما يساندها لدى الفقهاء، أنا طلبت الحكم الشرعي وطلبت تدخل القضاء لأن الموضوع وصل إلى اتهامي أني أبيح الزنى واللواط، وكان القضاء مؤدلجا وأدانني، وصدر حكم شرعي بسجني ثلاث سنوات وجلدي وإبعادي عن التعليم والإعلام، وهذا الحكم نفذت منه أسبوعين فقط وصدر أمر خادم الحرمين الشريفين بالعفو، وعدت إلى العمل وتصالحت مع زملائي، والتسامح هو أقوى سلاح يمكن أن تواجه به من يخالفونك ويعادونك، أنت تقتلهم بتسامحك.
الجامعة الإسلامية أخذت برأيي في تدريس القواعد:
ومن القضايا التي اهتم بها وأخذت بها الجامعة الإسلامية تعليم اللغة العربية، يقول السحيمي: ناديت أن تؤخذ الأمثلة النحوية من القرآن الكريم، وفي الفاتحة شواهد على كثير من القواعد النحوية، وقد أخذت الجامعة الإسلامية برأيي واتصلوا بي وقلت إن هذه رسالة مهمة وهي تسهيل دراسة القواعد خاصة إذا كنت تتوجه إلى تعليم العربية للأجانب، فهذا الأجنبي الذي لا يفهم العربية كيف له أن يحفظ “مكر مفر مقبل مدبر معا” كشاهد نحوي دون أن يكون ملمًا باللغة العربية أولا؟ وعن طريقته الساخرة، وأسلوبه التهكمي في معالجة القضايا والذي كان وراء حب الشريحة التي تقرأه والكوارث التي واجهها، يقول السحيمي: أنا أكتب لتقرأني شريحة محددة تبحث عني ونجحت في ذلك، أسلوب ساخر مركب وكتابة تعتمد على ثقافة الصورة، لكني أجد نفسي كما قال نزار قباني:
عشرون عامًا يا كتاب الهوى
ولم أزل في الصفحة الأولى
ويضيف: كل ما أكتب مقالة أشعر أنها المقالة الأخيرة، كل يوم أنتهي من مقال وأسأل نفسي ماذا أكتب غدًا، أنا مشغول دائمًا بالكتابة، كل شيء أجامل فيه إلا في الرأي.
لا ترض بأنصاف الحلول:
لعل النصيحة التي تلقاها الكاتب محمد السحيمي وهو طالب في المرحلة المتوسطة من مدير الإدارة التعليمية المسرحي الرائع عبدالعزيز الربيع كانت وراء صلابة مواقفه في كثير من الأحيان. لقد أعلن الربيع تبنيه للسحيمي وغيره من أصحاب المواهب من زملائه، ودخل في إطار التبني حرص الربيع على مكافأة طلابه معنويًا وماديًا وإن اقتضى الأمر أن يدفع من حر ماله.
ولعل الطالب محمد السحيمي الذي كان في المتوسطة فترة الربيع قد نال أكثر جوائزه، فقد كانت إجادته للغة وفصاحته وقدرته على التأليف والتمثيل وجرأته من الأشياء اللافتة، وكانت أكثر الجوائز معنوية، استوعبها السحيمي جيدًا.
وأهم جائزة كانت تلك النصيحة التي نصح بها الربيع السحيمي وهي: “لا ترض بأنصاف الحلول”، وقد التقت مع تكوينه البدوي الذي يعتمد على رؤية الأبيض والأسود وليس الرمادي.
وقد كان هذا التكوين وراء الكوارث التي تعرض لها السحيمي، فهو شجاع لا يغلف كلامه، ولا يحتاط، ولا يتحايل، وإنما يقول رأيه كما اعتاد أن يرى البدوي الشمس.
أنصاف الحلول كانت تفرض على السحيمي أن يغير كلامه في التحقيقات، وأن يتبرأ من كل ما يمكن أن يفهم خطأ حتى لو كان قيل بنية أخرى، لكنه أصر على قوله كما قاله أمام المحكمة، فليس من الشجاعة أن تقول كلامًا في مكان وتتنازل عنه في مكان آخر، وربما تسقط في نظر تلاميذك وأصدقائك وأحبائك إذا حدت عن أقوالك لكي تنجو من عقوبة تنتظرك.
وقد توج العفو الملكي موقف السحيمي، وأعطاه قوة لم تكن تتوفر له قبيل المحنة، قوة استهدفت الحفاظ على الطاقات المبدعة التي هي حد الأمان للمواطن السعودي.
محمد رويشد السحيمي
• من مواليد بادية الصويدرة (60كيلو مترًا شرق المدينة المنورة) 1388ه.
• تخرج في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 1412ه.
• عمل بسلك التعليم في مدارس الأبناء بالرياض منذ تخرجه ولا يزال.
• ماجستير في النقد الأدبي الحديث من كلية الآداب/ جامعة الملك سعود بالرياض 1425ه تحت إشراف الأستاذ الدكتور/ عبدالله الغذامي.
• عمل في الصحافة فترات متقطعة (المدينة- عكاظ- البلاد).
• ساهم بأبحاث وأوراق عمل عن الدراما والمسرح في مهرجانات الجنادرية الإذاعة والتلفزيون في البحرين 2004م.
• أنجز للدراما التلفزيونية بعض الأعمال أبرزها فوازير صافي الرحيق للتلفزيون السعودي رمضان 1422ه.
• أبرز الأعمال المسرحية التي نفذت:
1- مسرحية (لعبة المقالب) للأطفال تأليف وإخراج 1422ه
2- مسرحية (جباياهوووه) تأليف فازت بأفضل نص في مهرجان الجنادرية 1426ه.لفرغ الجمعية بالمدينة المنورة.
3- مسرحية (وسواس) للأطفال تأليف لفرع الجمعية بالأحساء 1426ه. وتونس 2007م.
4- مسرحية (ذُهان) تأليف لفرع الجمعية بالمدينة المنورة فازت بجائزة أفضل عرض في مهرجان الجنادرية 1427ه. وفاز الكاتب بجائزة أفضل نص مناصفة مع فهد ردة الحارثي.
5- مسرحية (على قيد الحياة) تأليف لفرع الجمعية بجازان.
قالو ا عنه:
جعفر عباس:
الكاتب محمد السحيمي وغيره من الكتاب لم يدخل قلوب وعقول الناس إلا باحترام ذكاء الناس والتواصل معهم والسحيمي من افضل الكتاب الساخرين الذي يكتب بطريقة سلسة ورائعة
قينان الغامدي:
السحيمي لا يخطر بالبال فقط لكنه يفرض نفسه هاجسًا مقيمًا لا فكاك منه عند كارهيه قبل محبيه فهو علامة فارقة في سياق الكتابة الساخرة على المستوى العربي وأرجو أن يتطور مشروعه ليكون عما قريب برناردشو العرب عما قريب فهو يشترك معه في السخرية والكتابة المسرحية والتسامح فسامحنا يا محمد إذا شعرت أننا لم نقدرك حق قدرك والمسامح كريم النفس والعقل والقلم.
الشاعر طلال حمزة:
محمد السحيمي اصبح علي خارطة اهم الكتاب السعوديين في فترة قصيرة جدًا لانه يكتب بطريقة مختلفة وطرح موضوعات مميزة اكسبته قاعدة جماهرية مميزة وكل من يختلف مع السحيمي او يتفق معه فهو يعرف أنه مميز وانا اتمني له ولكل الكتاب التوفيق والنجاح.
علي الألمعي:
محمد السحيمي.. امتلك اللغة حتى اكتفى منها بالقليل.. وتورّط في التميز حتى صار لا يُقبل منه إلا الامتياز.. كلما بحث عن ظلٍّ يابس يوحي إليه بالشعر.. دلَّه الظلُّ على طموحات جديدة للوطن.. محمد السحيمي.. أنت يا صاحبي وحدك، من امتلك سخرية مبكية لا تنبغي لأحد من بعدك، وعايش أطيافًُا من التلون القسري والقهري، ولكنه بقي رائحة ولون الأرض النقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.