الرصاصات عندما تحرقها بالنار للعبث واللّهو بها ودون اكتراث لما بداخلها فإنها ستنفجر. والضعيف إذا تطاولت في جلده فإن هذا سيقوّي ساعده حتى يصبح جلموداً لا يتألم من السّوط المتهالك. وهذا هو حال الأمة العربية في كثير من الدول التي شهدت ثوراتٍ عنيفة نتيجة احتراقها بنار الأنظمة الظالمة وجلد الذات على مرِّ السنين والأيام، فما عرفت هذه الشعوب في عصر الأنظمة الظلامية إلا الفقر والجوع والحرمان والظلم والقهر والتسلط على الممتلكات والأعراض في كثير من الأحيان، وما بيدهم إلا أن يختزنوا مرارة هذه الأيام في ذاكرة السنين، لكن وعاء الاختزان قد امتلأ فصار يغرقهم بفيضه فانفجرت الشعوب بكل شرائحها للتخلص من الاستبداد. ابتداءً من تونس ووصولاً إلى سوريا عبرت الشعوب عن مجدها ونضالها بارزةً جروحها المتقرحة منذ زمن وأظهروا للعالم أجمع بأن الظلم لن يدوم وإرادة الشعب تعلو كلّ هامات الحكام المستبدين. ولكن التشبث بالحكم قد جعل الثمن غالياً، فلا يخلو شارع من مشاهد الرعب والقتل وسفك الدماء، لكن إصرار هذه الشعوب العظيمة قد أزاح جبالا عن مقاعدها وما زالت سوريا تسير على هذا النهج، فيقدمون في كلّ يوم قافلة قتلى من الأطفال والرجال والنساء توقاً للانعتاق. لا أظن أن دماء ثورتهم ستضيع سدى، فلا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، ومع إصرار السوريين على مبدئهم ومطلبهم وتقديم كل ما لديهم سيجعل اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية قريبا.