قال الضمير المتكلم: تختزن ذاكرة التاريخ في 25 كانون الأول (ديسمبر) 1989م مشهداً أبكى العالم الإنساني الحُرّ فَرْحَةً وابتهاجاً ؛ ففيه ثار شعب على سنوات طويلة من العبودية والفقر والدكتاتورية. فقد شهد العالم إعدام ديكتاتور رومانيا الشيوعي (نيكولاي شاوشيسكو وزوجته إيلينا)، في نجاح كبير للثورة الشعبية التي أعقبت مجزرة «تيميشوارا» وما أعقبها من قتل للمتظاهرين الجائعين، وبعد تلك الثورة فُتِحت الأبواب لسقوط الشيوعية في أوربا الشرقية! نعم يُقِيم العالم الحُرّ الأفراح والليالي الملاح عندما تسقط زعامات وأنظمة تقتات على امتصاص دماء شعوبها ، وتضحك تحت أنهارِ دموعها ، وترقص على أنغام آهاتها وصرخاتها ! ولكن رغم توالي سقوط تلك الزعامات والقيادات الفاسدة بأمر إرادة الشعوب الثائرة وما قدمته من دروس ، مازالت (أنظمة استبدادية) تلبس قلنسوة الدكتاتورية وتقود مواطنيها بالرصاص والحديد ؛ وتطبق النظرية السياسية البالية (جَوّع كَلبَك يَتبعك)؛ فبينما يَنْعُمُ أولئك الزعماء وزبانيتهم بثروات الأوطان وخيراتها ؛ فإن الشعوب المسكينة تفتك فيها البطالة ، ويقتلها الفقر والأمراض، وتكبلها القيود والقبضات الحديدية ، فالأصوات الوطنية الصادقة مغلولة، والحريات الإعلامية مسلوبة ، والديمقراطية الحقيقية مفقودة ! أولئك ما زالوا يعتقدون أن القوى الخارجية التي يخضعون لها، ويتبعون توجيهاتها قادرة على حمايتهم من شعوبهم؛ ولكن التاريخ السابق والقريب يؤكد أن تلك القوى الأجنبية تبحث عن تحقيق مصالحها وأطماعها؛ فإذا سقط الأتباع كانوا أول مَن يركلهم، ويلقي بهم إلى مقبرة التاريخ! وخير شاهد واقع أحداث تونس التي فجرها (الشاب الجامعي العاطل محمد بوعزيزي) حيث صادرت إحدى البلديات (عربة الخضار) التي يكسب منها لقمة عيشه؛ حاول استعادتها فرفض طلبه عدة مرات ؛ فما كان منه إلا أن أشعل النار في نفسه، وكانت التّبعات ثورة شعب على الاستبداد والظلم والقمع ، هَيَجَان شعب يطلب العدالة والحرية ! أحداث (تونس) جرس إنذار وساعة تنبيه لبعض الحكام العرب لكيما يفتحوا نوافذ الحرية والهواء النقي لشعوبهم ، وليبدؤوا خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل أدوارها ، والأهم القضاء على البطالة والفقر؛ حتى لا تحرقهم النظرية السياسية الجديدة (جَوّع كَلبك يَأكلك)، وحتى لا تردد الشعوب المطحونة قول أبي القاسم الشابي !! إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر وَلا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِر * ألقاكم بخير والضمائر متكلمة. فاكس: 048427595 [email protected]