بين الوهم والحقيقة مساحة كبيرة يدركها كل عاقل، فليست كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء فحمة، وأنا أعتب على بعض شيوخ القبائل حين يظنون أن أولياء الدم إنما يتنازلون عن دم أبنائهم من أجل جاههم و تقدير مكانتهم، لأن الحقيقة أن الجاه كان للملايين وليس لهم، فقبل أسابيع تم التنازل من قبل أحدهم عن دم ولده مقابل 35 مليون ريال!!، وشاع بين الناس أن التنازل كان تقديراً لجاه أحد شيوخ القبائل واحترام مكانته، مع أنه في حقيقة الأمر أن العبارة التي سيتم تدوينها في القرار الشرعي هي (تم التنازل مقابل 35 مليون ريال سعودي)، و ما سوى ذلك وهم وخيال. فلو كان التنازل مقابل الجاه لأسقط حقه بالكامل وجعلها (تحت الفراش) كما يقول آباؤنا أو اكتفى بالدية المقررة شرعاً فقط، لكن الحقيقة أن العملية تحولت إلى بيع وشراء، فالرجل أسقط حقه بمقابل مادي كبير، وحتى تتضح الصورة فلنتخيل أن ولي الدم علم أن ولي القاتل سيدفع 50 مليون ريال فيما لو تم التنازل بواسطة شخص عادي (أحد جيرانه أو أبناء عمومته) هل سيقبل وساطة ذلك الشيخ في الموضوع؟!، أم أنه سيبيع جاه الشيخ أيضاً ب (15 مليون) ريال وربما أقل من ذلك بكثير!!. فالحقيقة أن المسألة بيع وشراء وليس للجاه فيها قيمة حقيقية!!. وأنا أعتب على هذا الشيخ كيف يتجاوز رغبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز – رحمه الله – حين دعا الناس لعدم المغالاة في هذا الأمر!. ثم لماذا يتدخل في هذا التنازل أصلاً عندما يصل إلى حد الاتجار بالدماء؟!، ولماذا لم يترك الأمر لغيره؟!، فهو يمثل الشرعية لقبيلته ومباركته لأمر كهذا يجعله عرفاً متبعاً بين قبيلته وبقية القبائل، ويحمِّل أبناء قبيلته ما لا يطيقون في حال قتل أحدهم أحداً من أبناء القبائل الأخرى لا قدر الله. كما أنقل لبعض شيوخ القبائل عتب أبناء قبائلهم، وتساؤلهم، لماذا يتدخل شيوخهم فقط حين يتعلق الأمر ببيع أحد أبناء القبيلة، ولا يتدخلون أبداً حين يتعلق الأمر بشراء أحدهم؟!!.