كلما اتسعت دائرة التواصل الاجتماعي برامج وأدوات وتقنيات ومستخدمين، كلما كبرت المرآة الإلكترونية وزادت دقتها، لتكشف لنا عن ندوب ورتوش ووحمات تعتري صورنا الفردية والجمعية. بعضهم مصدوم بتشوهات الصورة، فينكرها ويدّعي أنها لا تمثل الأصل. وبعضهم الآخر يتعاطى بعقلانية مع الصورة، معترفاً بتشوهاتها، متفائلاً بأن إصلاحها وتجميلها ممكن. الأسوأ، قسم ثالث يطالب بتكسير المرآة لأن الصورة لم تعجبه، وهذا القسم غالباً ما يؤمن بفكرة المؤامرة، وأن هناك متآمرا ما يظهر الصورة بهذا التشويه! إصلاح الصورة يبدأ من الاعتراف بعيوبها وتشوهاتها، وقبل ذلك الاعتراف بها، وبأنها صورة طبق الأصل. وينبغي على منكريها والمطالبين بتكسير المرآة العاكسة لها، معرفة حقيقة مهمة كشفت عنها تقنيات التواصل الاجتماعي، ليدركوا أن الصورة حقيقية. الحقيقة، أن ثقافتنا أطّرتنا بآليات محددة للتعاطي والتفاعل الاجتماعي، فرضت قيوداً شتى على حرية التعبير، واستقلالية الرأي والقرار، وهذا أنتج شخصيتين نقيضتين تتعايشان أحياناً، وتتصارعان أحياناً، داخل كيان واحد. شخصية تستجيب للثقافة المجتمعية وتسايرها، وأخرى تعبّر عن صاحبها، مرة تتفق مع الأولى ومرة تتصادم معها. الشخصية الأولى تعيش في الواقع بمواصفات المجتمع، والثانية تعيش في صاحبها بمواصفاته هو، وما إن يتحرر من سلطة المجتمع حتى يفك أسرها ويطلقها تسبح في الفضاء الإلكتروني، أحياناً تعبّر عنه حقيقة، وأحياناً تعبّر عن نقمته على الظروف التي جعلته بهذه الازدواجية. هذه الحقيقة التي يجب أن يدركها مُنكِر الصورة المشوهة، والمطالب بتكسير المرآة العاكسة لها! نعم، فقد يكون جارك، أو صديقك، أو قريبك، الذي يتفق معك في الواقع حد التطابق، هو ذاته من يناكفك ويماحكك ويقذفك خلف اسم مستعار في تويتر، أو أي برنامج تواصل آخر. وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل «هايدبارك» افتراضي لمن يتخفّون خلف اسم مستعار، ما يعني أن الصورة التي لا تعجبنا هي الحقيقة، لأنها تعبير عن الشخصية المكبوتة التي تفترض ما يجب أن يكون عليه صاحبها وواقعه، وإصلاح الصورة لن يكون ما لم تتوفر الظروف «الآمنة» لصاحبها ليكشف عن نفسه، حينها سيشعر بمسؤولية الحرية، ويتصالح مع نفسه ومجتمعه، ويصلح الصورة وأصلها.