بتوفيق من الله أسقط المصريون مبارك، وبتوفيق عكاشة وأمثاله استمر المجلس العسكري في السلطة، وبتوافقي أراد الإخوان تسلم الراية. ومصر التي تشتهر بكثرة النسل هي نفسها التي تؤوي ثورة عاقراً لم تستطع أن تلد وريثاً لعرشها يقول للرئاسة أنا لها. وأنا أحلم برئيس وأنت تحلم برئيس والواقع لا يوجد فيه رئيس لكل مواطن. وإذا كانت الكراهية تستطيع أن تهدم نظاماً قديماً، فحبّ النفس لا يبني وطناً جديداً، وأصابع الاتهام التي تشير بها كل فئة باتجاه الأخرى تجعل الجميع متهماً، ومصر (البريئة) هي الجميع! وقبل أن يتهم مصطفى بكري البرادعي بالعمالة لأمريكا، وجب عليه أن يقدم اعتذاره للشعب الليبي بعد أن ظل لسنوات مريضاً بحب القذافي، يتغنى ببطولاته الوهمية، ويصفه بالملهم، فليس من يختبأ في عباءة العسكر شجاعاً، ولكن من يكشف للناس حقيقة قناة «الساعة»! وإذا كنا قد رضينا بالبرادعي كرمز من رموز الثورة، فإن السيد نبيل العربي رفض أن يكون ظلاً، وسواء تنازل شفيق لعمر سليمان عن الرئاسة، أو تمسك عمرو موسى بالترشيح، فإن الإخوان المسلمين لن يصوتوا ل«أبوالفتوح» لأنه... مرشح إسلامي، لينجح العوّا في الحصول على من يهاجمه -حتى- في الخارج، وداخل مجتمع ذكوري قررت بثينة كامل خوض منافسة لا تعتمد على فن الإتيكيت. ولو كان جمال عبدالناصر حيّاً فسوف نختاره رئيساً مرة أخرى بفضل حملة الدعاية التي يقودها بالنيابة عنه حمدين صباحي. وصلاح حازم أبوإسماعيل وأمثاله يعرفون أن المتقدم إلى منصب الرئيس لا يخضع للفحص الطبي، فالمرض النفسي سيكون تهمة لن ينجو منها الشباب إذا رغب واحد منهم أن يخوض المعركة، وينتصر في الانتخابات الأمريكية رجل في الأربعين من عمره، بينما نحتاج إلى أربعين عاماً أخرى لنشاهد مثل هذا الحدث في مصر. وما بين متشائم يظن أن الشخص الذي سيجلس على العرش مثل شمس يشرق على البلاد بالوجه المظلم، ومتفائل يقسم بأنه سيرى مصباح علاء الدين عندما (يدعكه) الرئيس بأصابعه، تظل مصر في حاجه ماسّة إلى دستور يحدد ملامح هذا الرئيس. وبعد حكم «الإدارية العليا» ببطلان انتخابات مجلس الشعب أصبح البرلمان الذي يشكّل لجنة الدستور مشكلة توجِد أزمة، تنتج بدورها مليونيات تطالب القضاء بالنزاهة وعدم تسويف تنفيذ الحكم، يعقبها انفلات أمني، تغيب فيه الشرطة عن الشارع لتدافع عن وزارة الداخلية، فيهاجم الطرف الثالث الثوار، وتدور البلاد في دائرة مفرغة، يجد فيها العسكر فرصة لزيادة رقعة الخلاف بينهم وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبدلاً من أن يرفع الرئيس المقبل كفه ليدلي بالقسم، يتأخر الوطن ويبيت على كف عفريت، ويستيقظ الناس من جديد على من يروجون لخطر يهدد مصر من الداخل والخارج، ليمضي حكم العسكر في طريق لا نهائي، وتنتكس أحلام المصريين وهم يتحسرون على أيام مبارك التي لن تعود! فهل حان الوقت ليتجنب زعماء مصر الجدد الخلاف فيما بينهم، ويقفوا يداً واحدة -بجانب ثورة أتت بهم- أمام العسكر قبل أن يتم القضاء عليهم؟!