بينما الناس منشغلون برؤية هلال ليلة العيد، خرج من بيت خاله مفخخاً بحزامه متسلحاً بروحه المعبأة بتلك العبارات التي مارسها شيوخ التكفير على رأسه، قاتلاً لخاله ومهدداً لخالته، وذاهباً نحو حواجز التفتيش التي تحمل رجال الأمن حرارة الشمس وحرقة الإسفلت، ليحموا هذا الوطن من هذه القنابل الموقوتة، لكنه حينما لم يستطع الذهاب نحو الهدف «سجن الحائر»، قام بتفجير عبوته الناسفة صاعداً نحو جنته التي وعده بها رجال دين لم يخافوا الله في أنفسهم للحظة واحدة. شاب لا يتجاوز عمره سبعة عشر عاماً، ما الذي جعله ينزاح بتفكيره نحو كره الآخر، والبحث عن ظلاله في أحلام وردية يصنعها له قاتلٌ مأجور من خلال كلمات يبثها في الشبكة العنكبوتية، ويطلع عليها عشرات الآلاف من المراهقين – دون رقابة تذكر – وهم يزينون أنفسهم بتلك الأسلحة الفتاكة ويعيشون في قصورٍ فارهة، ويبثون تلك الخطب الرنانة. وآخرون يبثون سمومهم عبر تغريدات يومية تأتي عبر حسابات وهمية، وبعضها معروفة ولكنها تغريدات مغلفة بكلمات مليئة بالكراهية. سيظل هذا الشحن مستمراً طالما ظل المغردون ودعاة الفتنة يبثون سمومهم عبر منابرهم الخفية أو البارزة، وفي ظل غياب القانون الواضح الذي يجرم المحرضين على الكراهية، سنجد مثل هذا الفكر يتنامى أكثر مما نتخيل. وفي عودة إلى منابت تلك العقول «الداعشية»، نجد أننا عشنا فترة طويلة نتعامل مع جميع الأحداث ب«حسن النيات»، ومحاولة التغلب على المخاطر من خلال أساليب وطرق نحن بحاجة إلى تغييرها لتتواكب مع الأساليب الحديثة، التي يستخدمها أصحاب الفكر الإرهابي، حيث إن متشربي الفكر الأحادي لا يمكنهم أن يغيروا جلدتهم بين يوم وليلة، فقد أصبحوا اليوم يزدادون كالنار في الهشيم من خلال ذات الوسائل التي تحاربهم، فيدعون بأنهم أصحاب الحق ولذا هم مستهدفون ومحاربون من الجميع، لذا لاذوا بالفرار إلى مناطق النزاع، ليصنعوا لأنفسهم هالة من القدسية ويستطيعوا كسب المتعاطفين معهم من صغار السن، كي يجعلوا منهم أجسادا مفخخة تلبي أجندة أسيادهم الخفية. وبالعودة للشخصيات الأخيرة التي قام تنظيم «داعش» باستخدامها، نجد أنها شخصيات بسيطة عاشت حياة مستقرة ولم يسبق لأحد من محيطهم ملاحظة أي من التغير الفكري عليها، – غير المقربين منها طبعا – وهذا ما يبحث عنه عناصر التنظيم الإرهابي الآن، من خلال تجنيد صغار السن البعيدين عن الشبهات، ليقوم بتنفيذ عملياته التخريبية التي تجاوزت المختلفين معهم في الفكر، بل أصبحت تستهدف رجال الأمن وجميع من يقف في وجههم. حتى أصبح الجميع مستهدفا من قبل هذا التنظيم، وذلك لبث الفتنة والفرقة بين كافة أطياف المجتمع. وعودة على دور وسائل الإعلام في محاولة لتغيير خارطة التفكير لدى الجيل الجديد من الشباب، نجد أن دولة الكويت بعد تفجير مسجد الإمام الصادق نزحت لإنتاج إعلانات تلفزيونية أصبحت تبثها عبر القنوات الفضائية تحمل رسالة واحدة بأن الولاء للوطن، وأن مثل هذا الفكر الدخيل على مجتمعاتنا سيؤدي إلى هلاك الجميع بكافة طوائفه ومكوناته الوطنية. ويعتبر ذلك إحدى الوسائل المهمة التي يجب علينا اتخاذها لمحاربة هذا الفكر المتنامي في مجتمعاتنا الآمنة، وكذلك ضرورة سن القوانين الواضحة تجاه هؤلاء الذين يبثون سمومهم على الفضائيات وعلى قنوات التواصل الاجتماعي، ونحن اليوم أكثر حاجة لأن يحيد مجلس الشورى عن قراره السابق بخصوص رفض مشروع نظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها، ليعيده للدراسة مرة أخرى ويكون لهم دور بارز في وضع هذه القوانين التي يمكنها أن تردع هؤلاء المقيمين بيننا ويبثون الكراهية والتحريض بين الشعوب. لقد أصبح اليوم المواطن هو رجل الأمن، وصاحب القلم، هو رجل أمن أيضا ومسؤول تجاه كل ما يفرق لحمتنا الوطنية، ونحن اليوم في أمس الحاجة لتقريب الأنفس ضمن مكوننا الأساسي والموحد لهذه البلاد. رحم الله شهداء الوطن من رجال الأمن وجميع الضحايا الذين سقطوا شهداء بسبب هذه العمليات الإرهابية، التي تحاول أن تفرق وحدتنا وتلهينا عن بناء الوطن وتنميته.