أتابع هذه الأيام إذاعة طهران -أكرمكم الله- كي أستمتع بدروس مجانية في الكذب الاحترافي كما يقال، ولكي أطل كذلك على عاهات وعقد بعض المتصلين الذين يكادون لا يتغيرون أبداً، وتحديداً في البرامج التي تتحدث عن السعودية والبحرين، وبصراحة فلا حديث إلا عن هاتين الدولتين في إذاعة طهران باللغة العربية. يقول الخبر الدائم في إذاعة طهران هذه الأيام (قام أنصار الله بإطلاق عدد من القذائف، ومن ثم الهجوم على مواقع حدودية عسكرية في ظل فرار الجنود السعوديين) ركزوا معي جيداً؛ في كل خبر لا بد من تكرار جملة (فرار الجنود السعوديين)!! أذكر أنني قلت لأحد أصدقائي قبل أربع سنين إن مشاهد البكاء والعويل التي يقوم بها بعض الرجال العرب على الشاشة لا يمكن أن تحدث لدينا فيما لو تعرضنا لمثل ما تعرضت له تلك البلدان لا سمح الله؛ فما بالكم بالفرار من المعارك كما تقول إذاعة طهران؟! هذه كذبة كبرى هم يعرفون زيفها قبل غيرهم. أبناؤنا لا يهربون ولا يبكون من الحروب لأننا يا سادة نتاج ثقافة عربية قبلية أصيلة تقوم على بعض القيم السامية وأولاها ثقافة العيب والحياء، وأول هذا العيب وأخطره أن يبكي الرجال أو يهربوا من مواجهة العدو في الحروب والشدائد. نعم الأمر بهذا الوضوح الذي قد يصفه بعضكم بالسطحي والساذج، ولكنه حقيقي 100 %. المدهش أن إذاعة طهران تعتقد أن الجندي السعودي مثله مثل الجندي الميليشياوي في الضاحية أو صعدة أو بغداد أو دمشق، يمكن أن يفر من المواجهة وأن يلطم وأن يمرغ وجهه في التراب؛ تنسى أو تتناسى تفاصيل معركة القادسية وما حدث فيها من إبداعات لا يزال صداها في بلاد فارس إلى اليوم، وأظن أنه لم يهرب منها عربي واحد!! أليس كذلك؟ نحن جميعاً أحفاد أولئك الكبار، وإن غيبتنا الظروف أو تراجعنا قليلاً احتراماً لحقوق الحضارة والجوار؛ فإن جذوة النار لا تزال كما هي، وبالإمكان إشعالها عند الحاجة. ليس للاعتداء أو التآمر على أحد كما تفعلون؛ بل للوقوف مع الحق والجيرة، ورفع الظلم. رفعه حقيقة وليس بالشعارات الجوفاء.