في البدء من الضروري إعلان استنكارنا للجريمة النكراء التي استهدفت الأبرياء في قرية الدالوة بالإحساء، وتضامننا مع أهل الشهداء والجرحى الذين سقطوا في هذه المنطقة العزيزة علينا جميعاً وراح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى. كما لا يفوتنا أن نقدم واجب العزاء إلى ذوي شهداء الواجب الذين سقطوا وهم يواجهون المجموعة الإرهابية التي قامت بالفعل الشنيع في الأحساء. وهذه الجريمة تؤكد بشكل لا لبس فيه أننا كوطن نواجه خطراً حقيقياً وجدياً يتجسد في الإرهاب والمشروع الإرهابي القائم على سفك الدماء وقتل الأبرياء وتخريب الاستقرار والأمن الاجتماعي في الوطن والمجتمع. وان مواجهة هذا الخطر، تتطلب تضافر كل الجهود والإمكانيات الرسمية والأهلية لإنهاء هذا الخطر الوباء الذي يهدم ولا يبني، ويدمر ولا يعمر، ويعيد صناعة الإحن والأحقاد بين أهل الوطن الواحد. وإزاء هذه الجريمة النكراء نود التأكيد على النقاط التالية: المطلوب من كل الأطراف، رفض كل أشكال التحريض وبث الكراهية بين المواطنين، والعمل على خلق حقائق الائتلاف والتفاهم والتعايش الفعلي بين مكونات الوطن الواحد أولا: لا ريب أن ثمة ضرورة وطنية حقيقية، لرفع الصوت عالياً ضد هذه الجريمة الإرهابية ومعاقبة كل الفاعلين والمتسببين. لأنه لأول مرة في تاريخ هذا الوطن تستهدف عملية إرهابية مجموعة من المواطنين الشيعة وفي منطقة تعيش حالة من الوئام والتعايش بين أهلها.. لذلك فإن رفع الصوت عالياً، ضد هذه الجريمة، يعد بطريقة أو بأخرى رفضاً صريحاً، ضد كل المحاولات التي تريد تخريب حالة التعايش في منطقة الأحساء والإضرار بحقيقة ومشروع الوحدة الوطنية في المملكة. من هنا فإنه من أجل الوحدة الوطنية، نحتاج أن نرفع صوتنا عالياً ضد هذه الجريمة، ومن أجل حماية التعايش الأهلي السلمي، نحتاج أن نرفض كل عمليات الإرهاب والجريمة. ومن أجل حماية وطننا من موجة الإرهاب والحروب الطائفية، نحن بحاجة من مختلف مواقعنا إلى إدانة ورفض جريمة الأحساء، والتعامل معها بوصفها جريمة وطنية، لأنها تمس الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه. فهذه الجريمة تؤكد مرة أخرى، أن الإرهاب لا دين ولا مذهب له، وإن تجلبب الإرهابيون بدين أو مذهب. فالسنة في المملكة براء من هذا الفعل الشنيع الذي استهدف الأبرياء من أبناء وطنهم. إن إدانتنا للإرهاب، لا تعني بأي شكل من الأشكال، تحميل أخوتنا أهل السنة مسؤولية ما جرى، هم مع أخوتهم الشيعة من مواطني المملكة في خندق رفض الإرهاب وإدانة أية ممارسة إرهابية. لذلك من الضروري في ظل هذه الأجواء الالتفات إلى أهمية وحقيقة أن الإرهاب لا دين ولا مذهب ولا منطقة له، وإننا كمواطنين ندين فعل الإرهاب، ونرفض إدخال وطننا في متاهات العنف والإرهاب. وان عملية نقل الفوضى القائمة في دول المحيط إلى وطننا، من الجرائم الكبرى التي تستهدف راهن ومستقبل هذا الوطن واستقراره الاجتماعي والسياسي. ثانيا: تؤكد جريمة الأحساء أن المسافة الفكرية بين فعل الإرهاب والتحريض عليه، مسافة قصيرة. لذلك من الضروري الوقوف بحزم ضد كل من يحرض على العنف والإرهاب ويدعو إلى قتل المختلف معه سواء في الدين أو المذهب أو الموقف السياسي والفكري. لأن صمتنا على المحرضين والمغطين لفعل الإرهاب، يعني سماحنا بتأسيس جيش من الإرهابيين والقتلة. لهذا لا يمكن أن ننجح في مشروع محاربة الإرهاب، ونحن نمارس الصمت إزاء عمليات التحريض والتعبئة الطائفية والمذهبية. ونقولها بصراحة تامة، بدون محاسبة المحرضين والمغذين فكرياً ودينياً لفعل الإرهاب، فإن جريمة الأحساء ستتكرر. ونحن هنا لا نقول رجماً بالغيب، وإنما هي من طبائع الأمور. الذي يحرض ويعبئ ويزرع الأحقاد ضد الآخرين، فإنه سيحصد العديد من المتحمسين المستعدين لبذل حياتهم في سبيل إفناء موضوع التحريض والتعبئة. لهذا فثمة تكامل تام بين محاربة الإرهابيين والقتلة الفعليين وبين محاربة أهل التحريض الذين يغرسون في عقول الناشئة أفكار الحقد والقتل ضد الآخرين. وفعل القتل ينبغي أن يدان ويواجه، كما أن التحريض على القتل يجب أن يدان ويواجه. ثالثا: على المستوى الوطني والاجتماعي، ثمة حاجة للعمل المتواصل والسريع على حماية التعايش والوئام بين أهل الوطن الواحد، عبر تطوير هذا النظام وإثرائه بحقائق ومبادرات جديدة. فلا يكفي أن نلعن ظلام العنف والإرهاب، ثمة حاجة إلى بناء حقائق الوئام والتعايش على المستوى الوطني. فالمجتمعات المفككة غير قادرة على مواجهة خطر الإرهاب، لأن خطر الإرهاب سيتسلل إلى مجتمعنا من ثقوب التفكك والتشظي. لذلك من الضروري أن نعمل جميعاً في هذه الفترة لتصليب وحدتنا الوطنية والاجتماعية، وإفشال أهداف الإرهابيين والذين يستهدفون بهذه الجريمة وحدتنا وتلاحمنا الداخلي. وندعو في هذا السياق مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إلى تجاوز بعض عثراته والعمل بروحية جديدة من أجل صيانة وحدتنا الوطنية على أسس التفاهم العميق بين مختلف الأطراف والمكونات. فإذا ازددنا وعياً وتفاهماً ووحدة على الصعيد الوطني، تمكنا من الناحية الفعلية إفشال مخططات الإرهابيين والتكفيريين. لأن جرثومة الإرهاب لا تنمو، إلا في ظل الانقسام والتشظي والدخول في متاهات الحروب الطائفية والمذهبية. لهذا نحن بحاجة إلى المزيد من التلاقي الوطني، من أجل سد الثغرات ومعالجة الأمراض، والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب والإرهابيين. رابعاً: لا يمكننا كمجتمع سعودي أن نواجه خطر الإرهاب والإرهابيين، إلا بتجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع. لأن مؤسسة الدولة بوصفها رمز الوحدة الوطنية وحاميتها، تتحمل مسؤولية أساسية في مشروع الحرب على الإرهاب. وإن هذه الجرائم الإرهابية، ينبغي أن لا تغري أحداً، وتدفعه إلى الاعتقاد أنه قادر بوحده أن يحمي نفسه ومحيطه الاجتماعي ومحاربة الإرهاب. فالدولة وحدها القادرة على إلحاق الهزيمة بالإرهاب والإرهابيين وأبناء الوطن يتحملون مسؤولية إسناد ودعم الدولة في مشروع الحرب على الإرهاب. وفي هذا السياق نقدم شكرنا إلى الأجهزة الأمنية، التي تمكنت في فترة زمنية وجيزة من إلقاء القبض على الخلية الإرهابية. لذلك نقولها بصراحة تامة، لا بديل عن الدولة في مشروع حماية المجتمع والوطن. والدولة وحدها هي القادرة على دحر الإرهاب وتجفيف منابعه الأصلية والفرعية. من هنا وحتى لا تتكرر جريمة الإحساء، ندعو أبناء الوطن من أقصاه إلى أقصاه، إلى التعامل الجاد مع قيمة اللحمة الوطنية، وضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وإن ماتم التعبير عنه من قيم وحدوية وتضامنية، ليس تكتيكاً أو من مقتضيات اللحظة، وإنما هو إيمان عميق، بأن الشيء الوحيد الذي يمنع انزلاق مجتمعنا إلى ما انزلقت إليه المجتمعات الأخرى، هو وحدتنا وتفاهمنا العميق مع بعضنا، ومنع كل عمليات التحريض والتعبئة الطائفية. وجريمة الأحساء تحملنا مسؤولية دينية وأخلاقية ووطنية، مفادها انه انتهى زمن الخطابات الثنائية المتناقضة، بحيث نعبّئ جماعتنا الخاصة ضد الآخرين، ونتحدث في الظاهر عن قيم الوحدة والوئام الاجتماعي. والمطلوب من كل الأطراف، رفض كل أشكال التحريض وبث الكراهية بين المواطنين، والعمل على خلق حقائق الائتلاف والتفاهم والتعايش الفعلي بين مكونات الوطن الواحد. لمراسلة الكاتب: [email protected]