يفرّق بعض الفلاسفة بين معنى الوحدة والعزلة، ويعتبرون أن الأولى؛ غاية النقاء، والصفاء، للوصول إلى عالمٍ حر، بينما العزلة؛ تعني انعزال الإنسان عن الآخرين، بسبب فقده، وخسارته قيمة معيّنة، قد تكون شخصاً، أو كتاباً، أو مالاً، أو نجاحاً، أو أي شيء ضروري آخر، ويعتبرونها مؤقتة لإيمانهم بحاجة الإنسان إلى الحياة المندمجة بكل مكوناتها. يرى أوشو، أستاذ الفلسفة، أن الوحدة هي الاكتفاء بالذات، والتمكّن من رؤية جمالها، وكمالها، فيكون الفرد فيها غير محتاجٍ إلى أحد آخر، بينما المنعزل يعيش حالة سلبية، تشير إلى افتقار ما، وعليه مواصلة البحث عن مصادر الاكتمال، فربما يكون مفتاح السعادة في القراءة، أو الصداقة، أو الروحانية، أو التغيير، أو العمل، أو أي منفذ آخر. كنت أفكر، أثناء مروري بالبحر صباحاً، فيما لو كان في الإمكان الغطس تحت سطح البحر، والعوم فيه يوماً كاملاً، فإن صعُب الأمر، فلا بأس من الطفو، بالتمدد على سطح البحر، وتوجيه النظر إلى السماء، لتأخذنا التيارات المائية إلى الشاطئ، أو قلب البحر! هل فكرتم في هذا، ولماذا؟. فرق كبير بين أن تجلس وحيداً أمام البحر، وأن تعوم مثل سمكة في عمقه! في الأولى؛ ستكون في عِداد الأحياء، تزعجك أبواق السيارات، ويصمّ آذانك ضجيج المدينة، وعليك أن تلبس، وتأكل، وتتصرف بطريقة مُرضية للآخرين أكثر من نفسك، كما أنك مجبر على متابعة الأخبار اليومية رغم «تردِّيها»، وقد يتطلب الأمر منك «منافقة» رئيسك في العمل، أو التملق لصاحب سلطة فوقك! لكن لو انغمست في عمق البحر، قطعاً ستتحرر، فتحت الماء ستكون حراً بجدارة! سيخرج كل ما في عقلك ليحتضنك البحر، بينما يذوب جزءٌ من متاعبك، ويتفاعل جزءٌ آخر، ويبقى القليل عالقاً في الماء، وليس فيك! لن تتكلم، ولن تسمع ما يدور في ساحات الفكر، ولا ميادين السياسة، ولا ملاعب الرياضة، ستبقى بعيداً عن كل صداع، وأرق! ماذا لو قمنا بهذه التجربة؟ هل سيرفضها بعض الناس؟ باعتبارها حالة من التصوف، أو «التصومع» تحت الماء، ربما! هذا صحيح لو أصبحت مدعاة للركون، والاستكانة، والابتعاد عن معاني النهضة، والتطور الحضاري، ودامت طويلاً بوصفها نمط حياةٍ، لكن الأمر سيكون مجدياً جداً لو تمت لفترة مستقطعة من الصخب، والمادة المرهقة! وهي فسحة للاختلاء بالنفس، والسباحة فيها، لتنقية الروح، وتطهير الجسد من عوالق الترف المادي. يحتاج الإنسان إلى هذا الاختلاء، خاصة بعد انفجار بركان، أو انتهاء زلزال، ربما لهذا السبب ينام الأطفال بعد موجة بكاء طويلة! فمن منَّا لا يحتاج إلى فسحة من كل شيء؛ حتى ذاته! ليس لأنها سيئة بالكامل، بل للبحث عن معانيها السامية، و«تصعيدها». نحن في حاجة إلى طقوس صامتة، تجيد التأمل في ذاتنا، والكينونات من حولنا، لتعود الحياة مزهرة بجمال الطبيعة، وسمو الإنسانية، وقداسة الروح. وحدة، أو عزلة، المهم الوصول إلى منفذ السعادة الأبدية.