مما لا شك فيه أن مهنة المحاماة من أسمى، وأنبل المهن على مر التاريخ، فهي مهنة البحث عن الحق حيثما كان، ولكن مع الأسف، في مملكتنا الغالية تعاني المحاماة من داء مزمن، هو مزاحمة «الدعوجية»، وغير المرخصين لها، وتعطيلهم أعمال المحامين في الترافع في القضايا، وتقديم الاستشارات القانونية، إضافة إلى عرقلتهم أعمال الجهات القضائية نتيجة عدم إلمامهم بالنصوص، واللوائح القانونية، الأمر الذي يؤدي إلى تكدس القضايا في مختلف الأجهزة القضائية، وتكبد موكليهم خسائر مالية، وقانونية، بسبب جهلهم بالأنظمة، والقوانين. «فالدعوجية هم مجموعة من الجاهلين، يفتقدون الدراية، والإلمام بالمهنة، ويتساوون في ذلك مع مَنْ وكَّلهم، كونه يجهل أيضاً الأنظمة، والقوانين، وآلية الترافع، وتفاصيل المهنة، وأسس القضاء». ومع الأسف الشديد، حتى الآن لاتزال آلية منع «المعقبين»، ومدَّعي المحاماة، و»الدعوجية» من ممارسة مهنة المحاماة غير مفعَّلة، ولم يتم توظيفها بالشكل المأمول منه، فبعض هؤلاء «الدعوجية» يترافع عن المواطنين في أكثر من ثلاث قضايا في آن واحد، ويستطيع، مع الأسف، الوصول إلى القاضي، والترافع، وهذا الأمر يسيء إلى مهنة المحاماة في السعودية، ويسهم في تردِّي، وتراجع مستوى الوضع الحقوقي، لأن بعض مَنْ يقومون بالترافع لا يعون، ولا يلمُّون بآليات الترافع، والأنظمة، ما يتسبب في أضرار مالية، ومعنوية كبيرة، يتسبب بها هؤلاء، تتمثل في الترافع في القضايا بأسعار زهيدة لا تعكس واقع الأتعاب الحقيقية، مع أن أتعاب مكاتب المحاماة في المملكة هي الأدنى على مستوى العالم، إضافة إلى هدر الوقت، والجهد، والوقوف في طريق تحقيق العدالة. لذا يجب استئصال هذه الآفة الخطيرة من محاكمنا، وذلك عن طريق العمل، وتضافر الجهود كافة، وتكامل عمل الجهات المعنية، لحماية مهنة المحاماة من «أدعياء المهنة»، والدخلاء عليها، وكذلك ممَّن يقفز على المهنة بتجاوزها، ومزاحمة المحامين المرخصين المؤهلين، ومَنْ ينتحل صفة المحامي، إضافة إلى ضرورة توعية أصحاب القضايا، والموكلين، بضرورة، وأهمية التوجه إلى مكاتب المحاماة المعتمدة رسمياً، وإلى المحامين المعترف بهم، وعدم التوجه إلى منتحلي صفة المحامي من الأشخاص الذين يترافعون عن غيرهم دون تصاريح نظامية. ويجب أن نشير إلى دور وزارة العدل في تفعيل ذلك بعد أن وضعت على موقعها الإلكتروني قائمة بأسماء «المحامين المعتمدين»، وذلك يعد خطوة مهمة للقضاء على ظاهرة «الدعوجية»، والآمال كبيرة في توفير آليات، واستراتيجيات مستقبلية لتأمين بيئة عمل حقوقية مميزة للمحامين المرخصين، ما ينعكس بالإيجاب، والنفع على الجميع، ويعكس الوجه الحقيقي، والنظامي، والقانوني، والحقوقي للمهنة وفق النظام، والمنطق.