عزيزي ماركو: أسرك مني ما قرأته أم أغاظك؟ ولكأنك تناسيت عهدا أبرمناه سوياً بمحابر الدموع على قراطيس الألم حتى جرى الدمُ من المحاجر. وكأنِّي بك وقد خلعتَ جلباب الروض الزاهر وتدثرتَ بقمصان البيداء الفَضّة الجافة. هل تنشد مني أن أبقى مرفرفاً بأجنحة لا أملكها حتى إذا علوت خذلتني للهواء فأقعُ جثةً هامدةً في مقابر الاتكالية. هل تنشد مني أن ألِجَ قصور الرخام والحرير وما إن يمدَّ الليل أذرع ظلامه حتى يأتي السجان ويُغلق المزلاج ويأتي آخر بسوط القهر ليرسم لي حدودي. هل تنشد مني أن أثني قامتي وأُطَأطِئ هامتي وأجثو على ركبتي لأظفر بقطرة ماء من كفِّ سيدٍ يُطيل بها عذاب روحي. إنك لم تُصبْ يا ماركو. أردتَ مني أن أُكفن قلمي كفن الخوف وأدفنه بين الأدراج لأتخذ قلما صُنع لغيري لا يُجيد غير الدعاء والتقريظ ونظم المدائح لأُحشر في زمرة المتزلفين ويفخر به سواي. أردت مني أن أتبع إرشادات النقاد وحركة سيرهم المرسومة لهم، فهناك اكتب وهنا لا تكتبْ، فأقع من حيث أعتقد أنني أسمو. أردتَ مني أن أكون آلة موسيقية تشدو بأعذب الألحان إن هوت عليها يدٌ، فلا تعقل من لحنها شيئا والفتيات يتراقصن من حولها. دع عنك عزيزي كل هذا، فأنا آلفُ أن أنظر إلى روضةٍ زرعتُها بيدي وسقيتُها بعرقي، فدع الطير يرفرف بجناحيه ليراه رجل تستقيم قامته وينتصب في يده سيفٌ اصطنعه لنفسه، واعلم «ماركو» أن ليس لي إلا لسان واحد ووجه واحد، فلا يهمني بعد هذا أسرك مني ما قرأته أم أغاظك!