أكد الدكتور عباس الكعبي رئيس اللجنة التنفيذيه للمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز «حزم» أن الشعب الأحوازي قام بأكثر من 17 ثورة وانتفاضة في وجه الاحتلال الفارسي، خلال مسيرة نضاله الطويل، ولا يزال يواصل كفاحه ضد هذا المحتل. وقال الكعبي إن أنظمة ومنظمات تدعي الانتماء العربي شاركت في طمس الهوية العربية للأحواز واستغرب الصمت العربي إزاء ما تتعرض له دولة الأحواز منذ عقود طويلة من احتلال فارسي غاشم لوطنهم. «الشرق» تحدثت مع الكعبي وطرحت عديداً من الأسئلة في محاولة لإلقاء الضوء على القضية الأحوازية ومعاناة الشعب الأحوازي والظروف التي يعاني منها جراء الاحتلال. الأحواز هي الدولة العربيّة الأقرب للدولة الفارسيّة، وهي بوابتهم على الخليج العربي، وأقدمت على احتلالها للوصول إلى مياه الخليج وتوسيع رقعتها الجغرافية، والأحواز دفعت وما زالت تدفع الأحقاد الفارسيّة الدفينة ضد الأمّة العربية والإسلامية بحكم موقعها الجغرافي وما دار فيها من معارك وحروب هُزم فيها المجوس كحرب القادسية وذي قار والأبلّة وسوق الأحواز، وشكّلت الأحواز على الدوام الخط الأمامي لجبهات الصراع العربي الفارسي فقدّمت كثيراً من التضحيات على مرّ العصور بحكم موقعها وموقفها في الذود عن حياض الأمة، حتى ضحّت أخيراً بنفسها في الدفاع عن الوطن العربي، وراحت ضحيّة تصدّيها للمد الفارسي تجاه الوطن العربي، وعليه فإن الدفاع عن الأحواز هو واجب عربي وقومي وإنساني وأخلاقي وقانوني. ولابد من الإشارة إلى كون سلسلة جبال زاجروس تشكّل حائطاً صخريّاً شاهقاً كان يفصل الوطن العربي على الدوام عن فارس، وتقع هذه الجبال فيما بين الأحواز وفارس، ولم يكن للفرس أي نفوذ على البحر تاريخيّاً على الإطلاق، ولم يتسنّ للفرس الوصول للخليج العربي لولا احتلالهم الأحواز، كما لم يكن لهم أيّة إطلالة على بحر عُمان لولا احتلالهم لإقليم بلوشستان عام 1928، ولم يطل الفرس على بحر قزوين لولا احتلالهم لتركمنستان وآذربيجان الجنوبيّة، وليس أدلّ من ذلك كتأكيد المؤرخ الإغريقي الشهير «هيرودوت» في تناوله لهزيمة الفرس في معركة الماراثون عام 490 قبل الميلاد وتأكيده على أن أحد أبرز أسباب هزيمة الفرس أمام الجيش الإغريقي على مشارف أثينا يعود لجهل الفرس في التعامل مع البحر، فمات كثير منهم غرقاً، فالموطن الأصلي للفرس هو تلك الهضبات الفارسية التي كانت تتناثر فيها القبائل الفارسيّة قبل تشكيل كيانهم الأوّل بعد تحالفهم مع الميديّين سنة 546 قبل الميلاد. البحث في القضية العربية الأحوازية العادلة والمشروعة يقودنا إلى اكتشاف عدّة قضايا في ثنايا هذه القضيّة، ولعل أبرز القضايا تكمن في وأدها عربياً. فحين احتل الفرس دولة الأحواز العربية، لم تكن الدول العربيّة مستقلة، وكانت تخضع في غالبيتها إما لهيمنة الدولة البريطانية والفرنسية إضافة إلى هيمنة الدولة العثمانية على أجزاء من وطننا العربي قبل ذلك. فالعراق الجار كان منهمكاً بثورة العشرين وتداعياتها عام 1925 حين احتلت الأحواز، وكان لبريطانيا الدور الأكبر في احتلال الأحواز، خاصة أنها تآمرت مع الدولة الفارسية فسهلت عليها الطريق لاحتلال الأحواز، بل ساهمت في قصف المدن الأحوازية بالمدفعيّة وخاصة المحمّرة وهي آخر عاصمة للدولة وكذلك مدينة عبّادان، حين ثارت هذه المدن ومدن أحوازية أخرى ضد الاحتلال بعد شهور فقط. الأحوازيون لم يصمتوا عن الاحتلال، وفجروا أكثر من سبع عشرة ثورة وانتفاضة بوجه الاحتلال الفارسي وجميعها موثقة بالأحداث والتواريخ والأسماء، ولم تهدأ مقاومة الشعب للاحتلال الأجنبي الفارسي يوماً، ويعبر عن هذا الرفض بشكل دائم ماديّاً وفعليّاً، إلا أن جميع الثورات والانتفاضات والاحتجاجات قوبلت بالقمع المسلح المفرط، فقدّمت الأحواز آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمطاردين والمهجّرين قسراً نتيجة مقاومتهم الاحتلال. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدولة الفارسية فعلت عكس ما فعله الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني، حيث تم تهجيرهم بمئات الآلاف خارج فلسطين وأسسوا منظمة التحرير في الخارج التي قادت المعركة ضد الصهاينة عسكريا وإعلامياً، بينما خنق الفرس الأحواز وحاصروها بعد احتلالها عسكرياً، ومنعت الأحوازيين من الخروج والتواصل مع أشقائهم العرب خصوصاً والعالم، وطبق ضدهم أشد أنواع القمع ومنعوا الحديث والدراسة باللغة العربيّة لمحو الهوية العربية وطمس معالمها، الأمر الذي شكّل عائقاً كبيراً أمام الأحوازيين الذين تمكنوا من مغادرة الوطن في طرح قضيّتهم على الإعلام العربي بسبب عائق اللغة، فالمواطن الأحوازي يحتاج إلى عدّة سنوات بعد مغادرته أرض الأحواز ليتمكن من لغته العربية رغم أنه ظل محافظاً عليها على الدوام ولكن في حديثه اليومي وباللهجة المحليّة فقط وليس القراءة والكتابة، ناهيك عن عدم استجابة وسائل الإعلام العربية بسهولة إلى الاستماع لمعاناة الأحوازيين. ليست الأحواز وحدها من تضرّرت اجتماعياً جرّاء الاحتلال الفارسي، والمجتمعات العربية جميعها تضررت من الاحتلالات، والفرس تمكنوا من خدش البنية الاجتماعية في الأحواز كما حدث في الجنوب اللبناني والجنوب العراقي، وذلك بزجّ أعداد كبيرة من المستوطنين الفرس وما يجلبونه معهم من مفاهيم وعادات مُريبة وغريبة على المجتمعات العربية، وفي مقدّمتها التحريف الديني والفتنة الطائفية ونشر الخرافة والأكاذيب وإباحة الكذب بذريعة التقيّة، إضافة إلى نشر المخدّرات على أوسع نطاق، كثيرة هي المفاهيم التي حاولوا إدخالها إلى المجتمع العربي. وأمنياً: الفرس قلبوا القاعدة القانونية في الأحواز التي تنص على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ففي الأحواز، تكرّس الدولة الفارسية قاعدة «كل أحوازي متهم حتى تثبت براءته»، أي أن الأحوازي متهم من وجهة نظر المحتل الذي أعدم آلاف الأحوازيين بتهمة «الشعب العربي»، ولكل أحوازي ملف أمني منذ ولادته، وتجمع له الأدلة والتهم الملفقة على مر السنين لإدانته بانتمائه العربي والإسلامي فيعتقل أو يعدم أو يطارد ويلاحق أو يحرم من كافة حقوقه الأساسية والمدنية. والأمن مفقود تمامًا في الأحواز، وفي الوقت الذي يفرض القانون الدولي «إلزاماً» على الدولة المحتلة فرض الأمن والسلم للشعب الخاضع للاحتلال، فإن الدولة الفارسية المحتلة لدولة الأحواز العربيّة تخرق هذا القانون بشدّة كونها لم توفر الأمن والسلم في الأحواز منذ أن احتلت الأحواز قبل ما يقارب القرن من الزمن. والأحوازي مهدّد على الدوام في أمنه الشخصي والاقتصادي والغذائي والثقافي وعلى جميع المستويات، فأوصال المدن والمناطق الأحوازية مقطّعة، والأراضي والأملاك مهددة على الدوام بالسلب من قبل المحتل وتسليمها للمستوطنين الفرس، والمعروف أن الدولة الفارسية احتلت الأحواز بدافع حماية أمنها القومي وليس لحماية أمن المواطن الأحوازي الذي فارقه الاستقرار والأمان منذ تسعين عاماً. شارك «من يدعون العروبة والإسلام وهما منهم براء» الفرس في محاولتهم الخائبة لطمس هوية الدولة الأحوازية، وهم أذناب إيران كحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وما يسمى حزب الله في لبنان ومؤخراً حوثيي اليمن. وبعد أن كان العراق يشكّل الملاذ الآمن للمقاومة العربيّة الأحوازيّة، أصبح عراق ما بعد الاحتلال خاصة في عهد حكومة المالكي، لا يقلّ خطراً عن المناطق الفارسية بالنسبة للنشطاء والمقاومين الأحوازيين، وزوّدت حكومة المالكي العميلة أرشيف الجبهة العربيّة لتحرير الأحواز وجيش تحرير الأحواز اللذين كانا يتخذان من العراق مقرّاً لهما، وسلّمت حكومة المالكي كثيراً من المناضلين الأحوازيين إلى حبال المشانق الفارسيّة، كما نفذت سلسلة اغتيالات في صفوف اللاجئين الأحوازيين في العراق. بدوره سلّم المجرم بشار الأسد 21 أحوازياً إلى حبال المشانق الفارسيّة بما في ذلك أسر الأطفال الذين تلقوا شتّى صنوف التعذيب على يد الاحتلال، ومنهم من لا يزال يقبع في سجون الاحتلال ومنهم من انقطعت أخباره عن أهله وذويه. وبشار تجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية بارتكابه جريمة تسليم اللاجئين إلى العدو المتعطش لدمائهم. وساهم حزب الله في لبنان بشكل جليّ في قمع انتفاضة الإرادة الأحوازيّة عام 2005، وسُجّلت ضد هذا الحزب كثير من الشهادات الأحوازيّة ممّن شاركوا في الانتفاضة وتعرّضوا لقمع وحشي من قبل عناصر هذا الحزب. ربما يقول بعضهم إن الدولة الفارسيّة ليست بحاجة إلى عناصر قمعيّة لتأتي بعناصر ما يسمى بحزب الله للمشاركة في قمع الانتفاضة الأحوازيّة، لكن ذلك ما حصل بالفعل، ولهذا السلوك الفارسي أسبابه بالطبع. فلا ريب أن العامل العربي القومي يُعد أحد أبرز مقوّمات النضال العربي الأحوازي، وحين تأتي الدولة الفارسية بعناصر من حزب الله أو بعض العراقيين ذوي الجذور الفارسيّة ويتكلمون اللغة العربية ويشاركون في قمع وتعذيب الأحوازيين، فهي تهدف كسر العامل القومي العربي لدى الشعب العربي الأحوازي الذي ظل متمسكاً به رغم كل المحاولات اليائسة للمحتل الأجنبي الفارسي لطمس عروبة الأحواز. بالطبع نحن نتعمد تسمية الدولة الفارسيّة عوضاً عن إيران، وإيران اختصّت بهذا الاسم عام 1936م، وتأتي التسمية من ادعاء الفرس بانحدارهم من العرق الآري، أما قبل ذلك فكان اسمها الدولة الفارسيّة، وعليه فإن ما يسمّى بالدولة الإيرانيّة هي قائمة على الباطل التي تشكلت منه عبر احتلال الشعوب والسيطرة على أراضيها، بدءاً باحتلال دولة الأحواز العربية وسكانها 12 مليون نسمة ومساحتها 375 ألف كيلو متر مربع، كذلك تحتل جزءاً من إقليم بلوشستان وسكانه أكثر من 15 نسمة ومساحته 80 ألف كيلومتر مربع، وكذلك إقليم آذربيجان الجنوبيّة وسكانه 25 مليون نسمة وهو متاخم لجمهورية آذربيجان المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، وتحتل جزءاً من إقليم كوردستان المتاخم لكوردستان شمالي العراق ويبلغ عدد سكانه نحو 10 ملايين نسمة، إضافة لإقليم تركمنستان المتاخم لجمهورية تركمنستان المستقلة عن الاتحاد السوفييتي، وسكانه نحو 5 ملايين نسمة. ولهذا نحن نسمي فارس لأن الدولة الفارسية هي المحتلة ولايمكن إلا أن نسميها باسمها الحقيقي؟ نصيب المرأة الأحوازية من الظلم والاضطهاد يفوق الخيال، إذ لم تجف دموع الأمهات الأحوازيات على فلذات أكبادهن القابعين في المعتقلات أو الذين استشهدوا ففارقتهم للأبد، أو حرمانها من رؤية أبنائها المقاومين والمطاردين والمهجرين قسراً، وما من أم أحوازيّة لا تربّي إبنها على مقاومة الظلم، وما من أم أحوازية لا تربي ابنها على الغيرة والشهامة العربيّة شأنها شأن سائر النساء العربيات الغيارى، فالمرأة الأحوازية كاتمة أسرار زوجها وأخيها وأبيها أو ابنها أو قريبها المقاوم، وتعد أفضل قناة للتواصل فيما بين المقاومين، وأكبر مستودع للأسرار والمناشير، وهي التي تحمل أكبر قلب تحمّل ويتحمّل الكثير. ورغم حجم المرارة واللوعة وشدّة حزن المرأة الأحوازيّة حين تتلقى نبأ استشهاد ابنها أو زوجها أو أبيها، إلا أنها تظل فخورة على الدوام كون الشهيد مات شامخاً وواقفاً ولم يستسلم للعدو فقتل إما شنقاً أو رمياً بالرصاص في ميادين المواجهات ضد المحتل. ما سأقوله ل «الشرق» وما لم يقله الإعلام هو أن «الشرق» هي الصحيفة العربيّة الأولى والوحيدة في كلّ الإعلام العربي بل العالم أجمع التي انفردت بتخصيص زاوية للأحواز تحت عنوان «يوميّات أحوازي»، وحطّمت «الشرق» الرقم القياسي في النشر عن الأحواز، وكذلك جرائم الدولة الفارسيّة إذ بلغ عدد المقالات «مقالاتي» المختصة بهذا الشأن فيها أكثر من 400 مقال. وأخصّ «الشرق» بالتحيّة والتقدير لتسليطها الضوء على البوابة الشرقيّة لوطننا العربي والمتمثلة بالأحواز العربيّة، وأخصّ «الشرق» بالقول إن ما يسمّى بمحور الممانعة والمقاومة الكاذب، لا يتشكل من ثلاثة أقطاب هي بشار وقطعانه والدولة الفارسيّة وربيبتها حزب الله في لبنان، بل يتشكل من أربعة أقطاب بإضافة الكيان الصهيوني «إسرائيل» فكلهم يعملون على منع الأمّة العربيّة من تحقيق مزيد من التقدّم والازدهار وهُم من يشكلون أكبر عائق أمام استقرار الوطن العربي وهُم من يرعون أبشع أشكال الإرهاب علناً وصراحةً. وشكراً ل «الشرق».