خالجني شعور بالزهو والبهجة وعربة التلفريك تمخر عباب ضباب الهدا فوق جبل كرا تقلني مع ثلة من مثقفي وضيوف سوق عكاظ، المنعقدة دورته الثامنة في الطائف هذه الأيام، في طريقنا إلى الكُر. نظرت واسترجعت تاريخ جبل كرا بشموخه وبهائه وارتفاعه الذي يصل إلى 2000م عن سطح البحر وقد كسته الخضرة بعد الأمطار التي توالت على الطائف فزادته بهاءً وجمالاً. كرا الذي كان حاجزاً طبيعياً بين القريتين المذكورتين في القرآن الكريم مكةالمكرمةوالطائف، أعلاه الهدا وأسفله الكر، له قصة عشق مع الطريق الذي يحتضنه. عشق يمتد إلى أكثر من 1000 عام. ففي عام 430ه 1038م ذلل عقبة كرا والي مكة حينها الحسين بن سلامة، وفتح عبرها طريقاً مرصوفاً بالحجارة غاية في الدقة والإتقان. استخدمه المسافرون عبر القرون حتى أوائل الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي، وما زالت آثار الطريق وأجزاء كثيرة منه باقية حتى اليوم شاهدة على ارتباط مكةوالطائف منذ القِدم. وفي شهر صفر من عام 1385ه افتتح الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- طريق كرا بعد إنشائه كأول طريق جبلي معبّد في المملكة العربية السعودية. خلال حفل الافتتاح ألقى ابن الطائف الشاعر الشريف محمد بن حسين الفعر قصيدة، جاء فيها: (عيد لنا وفضيلة وسرور/ في عصر هذا اليوم حين تزور/ ما سار ركبك للهدا متوجهاً/ إلا قلوب الناس معه تسير) إلى أن قال: (أسدٌ وابن الليث ماذا ضره / إن كان عجلاً في الظلام يخور/ ما قلت زوراً أو فجوراً أبتغي/ فيه الجزاء وما أنا مأجور/ فهي الحقيقة لست عنها غافلاً/ وهي الحقيقة والشهود كثير/ لو تسألون (كرا) لخبركم بها/ كم فيه هُدت هضبة وصخور) وفي عام 1422 ه تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رعاه الله- بافتتاح تلفريك الهدا الذي يربط أعالي الهدا بالكر بطول 4200م، ليمثل فصلاً جديداً من علاقة الجبل بالطريق ووسائل النقل والمواصلات. («حبلٌ» من الجبل الأشم تحدَّرا/ من شاهق زأرت به أُسد الشرى/ أحنى (كرا) بجبينه وتلاينت/ منه الصخور مطاوعاً متعذرا) وبدأ فصل آخر لهذه العلاقة حين طرحت شركة الطائف للاستثمار والسياحة فكرة إنشاء نفق يخترق جبل كرا ويختصر المسافة والزمن بين مكةوالطائف. وبادرت بإجراء الدراسات الأولية للمشروع كمشروع استثماري برسوم، إلا أن ذلك لم يجد قبولاً من وزارة النقل رغم دعم الفكرة من قِبل أمراء منطقة مكةالمكرمة حينذاك الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ثم الأمير خالد الفيصل الذي وجّه بتشكيل لجنة تأسيسية للمشروع. وأظهرت المؤشرات الاقتصادية عدم جدوى المشروع كمشروع استثماري. وبُعيد تولي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز مهام إمارة منطقة مكةالمكرمة واطلاعه على فكرة المشروع ودراساته الأولية تبنى سموه المشروع لينفذ ضمن المشاريع التطويرية الكبرى التي تشهدها المنطقة، ووعد بالرفع عنه ومتابعته حتى يكون واقعاً ملموساً. وهنا أتوجه إلى سموه بأن تتم دراسة كافة البدائل والخيارات لمسار النفق، فقد مضى أكثر من 10 سنوات على الدراسات المبدئية لمشروع النفق ومساره، ولم تتضح حينها معالم الطائف الجديد الذي يقع الآن شمال المحافظة ويضم مشاريع جامعة الطائف، والمطار الدولي، وسوق عكاظ، وواحة التقنية، والمدينة الصناعية والضواحي السكنية. إضافة إلى ما يعانيه طريق كرا من انهيار للصخور عند هطول الأمطار وما يسببه ذلك من إغلاق للطريق وتعطيل للعابرين لساعات في انتظار إعادة فتح الطريق، ويتم ذلك -مع الأسف- دون إشعار أو سابق إنذار. كما أن طريق السيل أبعد مسافة وأكثر خطورة لاكتظاظه بالشاحنات. إضافة إلى ما تشهده طرق وشوارع مدينة الطائف من اختناقات مرورية. وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط كثافة الحركة بين مكةوالطائف عبر طريقي كرا والسيل يصل إلى مليوني سيارة شهرياً، مما يستوجب إيجاد طريق ثالث بين القريتين. لكل ما تقدم، آمُل أن يتم الإسراع بتنفيذ النفق كبديل ثالث، مع الأخذ في الاعتبار نمو الطائف شمالاً، كما أن فتح طريق ثالث سيُنمي مناطق ومواقع جديدة ويسمح بتمدد التنمية في محافظة الطائف.