أين موطن الإدراك؟، من أين تصدر ردود الأفعال؟، هل الدماغ هو المصدر أم القلب؟ هل فكرنا يوماً أيهما -العقل، أم القلب- المتحكم بنا؟! وأجيب بأنه إذا أحب القلب حفز العقل على الاقتناع بما يحب، وإذا كره القلب حفز العقل على النفور مما يكره. ولطالما كان هذا الأمر موضوع جدل بين الثقافات المختلفة قديماً وحديثاً، فمنهم مَنْ يرى أن القلب مَنْ يتحكم بكل الجوارح وحتى العقل، ومنهم مَنْ يعتقد اعتقاداً جازماً بأن العقل هو المتحكم في الإنسان فكراً وشعوراً. وأنا أقر بأن لكلٍ منهما دوره الأساس، الذي يتشاطره مع الآخر، كيف لا! والعقل يُعجب بالصفات وحتى العيوب فيمن يحبه القلب، وكذلك القلب يخفق لما يقتنع به العقل من ارتباطات ب «الذاكرة»، كالابتسامة لمجرد عبور الذكرى السعيدة في بالنا، والعين التي تدمع لتجدد الذكرى الحزينة. كلها دلالات منطقية للترابط العجيب، الذي يربط العقل بالقلب والقلب بالعقل، فكلما غذى الإنسان عقله بالعلم النافع وجد قلبه يرتقي بما يحب، وكذلك لو غُذِي القلب بالحب للخير ونفع الغير وجد الإنسان عقله ينتج كل ما فيه منفعة لغيره من البشر. وكما قال تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور» سورة الحج «آية 46». ومَنْ تدبر هذه الآية وجد بها إجابة منطقية لسؤال يحير بعضهم، مَنْ المتحكم: عقلي أم قلبي؟.. فإن الإجابة هي أن القلب مركز الإدراك والوعي، وأن العقل هو المدبر لما يأمر به القلب، فاملأ قلبك بما يجعله صالحاً وأبعده عن فساد الشعور والنبض حتى لا تعمى بصيرة القلب ويعمى العقل عن الحكمة.