قبل حوالي نصف قرن صدر أول «نظام للعمل والعمال» في المملكة ونصت مادته (45) على: «يجب ألا تقل نسبة العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن (75%) من مجموع عمالته وألا تقل أجورهم عن (51%) من مجموع أجور عماله….» وشملت مواد النظام كل مايتعلق بالتأهيل والتدريب ومكافحة «العطالة!!» والتدرج المهني وحماية الأجور وتشغيل النساء. خلال تلك الأعوام كان هناك جيل من الحرفيين والمهنيين السعوديين جلهم اكتسب المهنة بالوراثة وفق المثل الدارج «صنعة أبوك لا يغلبوك» أو بالتعلم الذاتي. جاءت الطفرة الأولى في التسعينيات الهجرية وصاحبتها اختلالات اجتماعية واقتصادية نتج عنها تخلي أكثر أولئك عن حرفهم واتجاههم إلى العقار أو ماسمي بالأعمال الحرة (متسبب) حينها، منهم من تفوق وأكثرهم أخفق، النتيجة انقراض ذلك الجيل من المهنيين. في خضم تلك التحولات نسينا المادة (45)… استشرى الاستقدام لا أظن أن نسبة السعوديين في القطاع الخاص تجاوزت 10%! أمور يضحك السفهاء منها ** ويبكي من عواقبها اللبيب تنبهنا بعد حين إلى «العطالة» سميناها البطالة، ابتكرنا مصطلح السعودة، بدأنا نتحدث عن مخرجات التعليم أدركنا أن هناك سوقاً للعمل وحاجة للسوق!! بدأنا بسعودة أسواق الخضار!!! فصلت وزارة العمل عن الشؤون الاجتماعية، تعاقب على الوزارة رجال أكفاء، أطلقت مبادرات وبرامج وصناديق والمشكلة تتفاقم فما الذي يحدث؟ وهل تتحمل وزارة العمل والقطاع الأهلي عبء معالجة البطالة خاصة في غياب التكامل بين الجهات الحكومية المعنية بالسعودة؟ فإلى الآن لم يتفق على نسبة البطالة ونوعها، وكل جهة لديها أرقامها وإحصاءاتها وتصنيفاتها. لا يمكن إنكار أي جهد يبذل، ولكن غياب الرؤية أدى إلى جهود مبعثرة تعالج الأعراض ولا تحل المشكلة، فماذا حل بسعودة أسواق الخضار وغيرها من الأسواق والنشاطات، وهل البدء ب «سعودات» كهذه هو الهدف؟ وما هو (الأجر) للسعودي من هذه الأعمال؟ وهل يمكنه ذلك من بناء أسرة وفتح منزل؟ هل طموحنا توظيف السعوديين كيفما اتفق؟ فلبعض الأعمال طبيعة خاصة و(أجر) منخفض لذا هي وظائف مؤقتة لطلبة الجامعات أو من يبحثون عن دخل إضافي كما هو الحال في العالم الأول. ولماذا نجحت قطاعات مثل البنوك في السعودة، هل هو (الأجر) أم بيئة العمل؟ لا أملك كل الأجوبة ولكن الواضح أنه لاتوجد «مرجعية موحدة» ولم يتم تفعيل «استراتيجية التوظيف السعودية» الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (260) وتاريخ 5/ 8/ 1430 التي يجب أن تعمل وفقها الوزارات والجامعات وكافة الأجهزة الحكومية والأهلية المعنية بالسعودة، ومن المسؤول عن تعطيلها أو (تبطيلها) كل هذه السنوات؟ وهل يعقل أن تفتح الجامعات أقساماً وتستحدث تخصصات دون أن يكون لها تصنيف وظيفي، وما تخصصات التقنية الحيوية والتربية الخاصة وعلوم البحار عنا ببعيد، ناهيك عن مشكلات الدبلومات الصحية واللغة الإنجليزية. كما أنه لا يعقل أن نبتعث الآلاف ويعودون بالماجستير والدكتوراة ولا يجدون عملاً! وقبل ذلك وبعده خريجو وخريجات الثانويات والمعاهد والكليات النظرية والتقنية والأهلية. يحللون بزعم منهم عقدا وبالذي فعلوه زادت العقد العنصر البشري هو رأس المال الحقيقي والاستثمار فيه هو الأمثل، والبطالة خطر يهدد أي مجتمع ونحن لم نحل مشكلات خريجي الأعوام الماضية فكيف سنعالج قضايا خريجي الأعوام القادمة؟ وزارة العمل ليست هي المسؤولة وحدها عن كل هذا كما وقر في ذهن كثير من الناس. وما لم نوجد «مرجعية موحدة» ونبادر إلى تفعيل «استراتيجية التوظيف السعودية» ويتم إنشاء مركز وطني للمعلومات الوظيفية وتنظيم منتدى سنوي على مستوى المملكة تشارك فيه كافة الجهات المعنية، فالسعودة صعبة قوية!!