الظاهرة تعتبر شكلاً من أشكال الفساد.. وهدراً للمال العام في غير محله، ومنها ما يتعلق باختلاس أموال الدولة أو القطاع الخاص!! ولقد ظهرت على السطح دلائل الاختلاس وباتت مفضوحة للعيان ويعرفها الصغير قبل الكبير، من خلال أرقام الحسابات البنكية للمختلسين وكثير من العقارات التي جُمعت في وقت قياسي، ويستحيل أن تجمع من الرواتب الشهرية والمكافآت إضافة إلى كل الامتيازات الأخرى لو توفرت.. كل هذه المبالغ ذات الأرقام الفلكية يتم جمعها خلال فترة زمنية قصيرة جدا، ونرى هذا جلياً من خلال اقتناء السيارات الفارهة جداً غالية الثمن أو تشييد الأبراج العالية؛ حيث إنها تعتبر دلائل دامغة على وجود مصادر للارتزاق غير المشروع متوفرة لتلك الأيادي، وعلى أن هناك قنوات غير شرعية لتلك الاختلاسات الهائلة. وحتى لو تم البحث والتحري فلن يستطيع أحد محاسبة هؤلاء المختلسين أو توجيه الاتهام لهم نظراً لتحصنهم القانوني الحذر والمدروس سلفاً وفق الأنظمة واللوائح المعمول بها شرعاً وقانوناً. ومن المتعارف عليه لدى الجميع أنه يوجد دائماً ثغرات ضعيفة في القوانين يتم الاستفادة منها من قِبَل هؤلاء المجرمين غير مدرجة في القوانين نصاً وبشكل صريح؛ حيث يصعب على أي جهة رقابية سواء كانت أفراداً أو مؤسسات كشف مواطن الخلل والاختلاس في تلك الأوراق والمعاملات، وبالتالي يظل المختلس متربعاً في موقع الاختلاس والنهب، ويظل العجز والتردد مستمراً لدى جهات الرقابة مثل هيئة مكافحة الفساد والنزاهة!! ولأننا نتحدث عن القوانين والتشريعات المنظمة لعملية المحاسبة والمساءلة.. فبالتالي لا نستطيع التعويل على الجانب الأخلاقي وحسب في ضبط حالات الفساد والارتزاق غير المشروع. عادة ما يتفوق المختلسون على القوانين والأنظمة خصوصاً عندما تتم المشاركة من قبل مجموعة متفقة في عملية الاختلاس يشكلون ما يشبه اللوبي الذي يحصر الاختلاس وامتداداته في محيط عمل هذا اللوبي وصلاحياته الممنوحة له وظيفياً، وبالتالي تكون هناك صعوبة كبيرة في توجيه الاتهام لأسماء بعينها. ولكن لا يجب الاستكانة إلى العجز الذي يشل الجهات الرقابية بحكم تلك الثغرات والهوامش التي تعانيها قوانين وتشريعات المحاسبة، الأمر الذي يستدعي بالضرورة تطوير وتحديث هذه القوانين والتشريعات تمشياً مع تطوير وتحديث غيرها من القوانين الإدارية والمحاسبية الأخرى، وبما يضمن سد تلك الثغرات سلفاً أمام من تسوّل لهم أنفسهم تطويع القانون لصالحهم وتحويله إلى غطاء وستر على ما يدبرونه من اختلاس ونهب.