لا تزال ما تسمّى «اعتباطاً» بالزيارات التفقدية، تشكل خليطاً من البهرجة والمراسم الشكلية؛ فما إن تظهر الإعلانات المبشّرة بزيارة «حضرة» المسؤول، حتى تستنفر جميع الجهات المعنية بالزيارة كل طاقاتها لبداية مسلسل «التزييف» والتجميل، ليتحول المكان إلى ورشة عملٍ طارئة، تستهدف كل ما يتعلق بخط سير الزائر «المعروف» سلفاً، فتنتشر على جنباته لوحات الترحيب، وصور الضيف الحبيب، وتختفي كل مظاهر القصور والإهمال «المزمنة» بين عشيةٍ وضحاها؛ فتُعبد الطرقات وتُضاء الساحات، وتُغرس الأشجار وأجمل الورد والأزهار، وتُردم الحفر وتزال المطبات، وتُجدد الألوان و«البويات»، وتصرف البنود والميزانيات، لضمان نجاح عمليات «الترقيع» والتلميع..! ثم تبدأ زيارة المسؤول العزيز ووفده المرافق-مع ما يصاحبها من الربكة» المرورية، والإجراءات الاحترازية- ليتفقد إحدى الدوائر الخدمية، أو المؤسسات الحكومية؛ فيُفرش له السجاد الفاخر، ويُستقبل بالعطور والبخور، ولا تقع عيناه إلا على مظاهر الاحتفاء والبهاء، في برنامجٍ أعدت فقراته «الدرامية» بدقةٍ واحترافية، لتتحول الزيارة التفقدية إلى أشبه ما يكون بالاحتفال والكرنفال، وتختم ببعض الوعود والتصريحات، تحت أضواء الكاميرات والفلاشات..! أعجب ما في تلك الزيارات؛ برمجتها المسبقة، وتوابعها اللاحقة، مع أنها من صميم عمل المسؤول وواجباته الوظيفية، فكان الأولى أن تتم في سياقٍ طبيعي، تأديةً للواجب، وقياماً بأعباء المسؤولية، بما يحقق تعليمات الجهات العليا، التي تؤكد على وجوب متابعة المسؤولين لأداء المؤسسات التي تقع تحت إداراتهم بشكلٍ دائم ومستمر، ومن ذلك الزيارات العملية، التي تعزز الإيجابيات، وتعالج السلبيات، بعيداً عن زيارات الدعاية والشكليات..! ختاماً، في ظل هذا الواقع الغريب، والزيارات (المفقودة)؛ ما هي مكاسب المواطنين، من زيارات المسؤولين..؟!