في ظل ما نعاصره من ثورة اتصالات، فتحت آفاق العلوم والمعارف وسهلت الحصول عليها، وفيها أيضاً اختلطت مصادر المعلومات ومراجعها وحتى مضامينها البناءة والهدامة، تأتي الحاجة لاستدعاء جهاز تنظيم وإصلاح في المحيطات الاجتماعية. ذلك لأن الضرورة الحياتية أصبحت تتطلب هذا الدور القيادي من منطلق المسؤولية الإنسانية والاجتماعية الوطنية، حيث إن الأمة تواجه طوفاناً من التحديات والضغوطات على مختلف الأصعدة، ولن تتجاوزها بنجاح إلا بتفعيل هذا الحراك المشترك بين أبنائها، لا سيما مع هذا التنوع الكبير في تياراتها واتجاهاتها الفكرية، فلعل أهم ما يجب الإشارة إليه في هذه المرحلة بعضاً من الرؤى نوجز منها هنا : -نشر الوعي، المسؤولية التي من كمال الأمة أن تعززها وتوفر لها ميادين تخصيب وإنتاج متزايد، على أن تواكب متطلبات العصر الكثيرة والمتشعبة، فإن ما يسلب الأمة قوتها ووحدتها هو عدم امتلاكها الوعي بمجريات الأحداث والتبصر العميق في قضايا الواقع والحياة، وقد يكون هو السبب في إيصال أمتنا إلى هذه الحالة من التشنج والخلاف المعقد والمتشابك. -السكوت عن قضايا مهمة كالمواطنة والوحدة وعدم تفعليها وتعزيزها بشكلٍ وطني كبير، أدَّى إلى إتاحة المجال وتقديم الفرص لكل من سوَّلت له نفسه ضرب الصفوف الوطنية في خاصرتها، بتصعيد وتيرة اختلافات طبيعية تكوينية في المجتمعات كلها، وجعلها أرضية لزراعة الأفكار الهدامة، ما جعل المشكلة أكثر تعقيداً وتركيباً وتداخلاً. -مواجهة الأفكار المغلوطة، فمع تقدم وسائل الاتصال والتكنولوجيا أصبحت الأفكار تخترق السدود والحواجز والمسافات، لتنتشر بشكلٍ سريع جداً، وتتغلغل في أدمغة الأجيال، بشتى أشكالها المسموعة والمقروءة والمرئية، ناهيك عن تعددها وتنوع طرحها في المجال الواحد. تلك قضية بحاجة إلى تناول وطرح آليات وطرق لحماية وتثقيف الجمهور بخفايا هذه المناهل المتنوعة، التي تُبعدهم عن الالتفات لحاجات الوطن والمجتمع الإيجابية والبناءة، وتشغلهم بأفكار دخيلة على النظام الإسلامي والأخلاقي والقيمي، فلا يشعرون بمدى التردي والتراجع الحاصل حولهم، وهو الأولى بالاهتمام وتكثيف الجهد. -التعاون والمشاركة بتكثيف الجهود وتضافرها، هو الآخر عامل مهم في إذكاء حالة التقارب والالتقاء الوطني. فمهما بلغ عطاء الفرد وتفانيه لا يقارن بنتاج قوى مشتركة تعمل في نفس الاتجاه. ولو أعدنا النظر في نتاج المجريات والأحداث والتحركات المغرِضة المنصرمة، التي لم تلاق تصدياً لها لا قانونياً ولا حوارياً اجتماعياً ودياً، لوجدنا اليوم كيف أنها جلبت الهموم والمشكلات على أبناء الوطن، وأصبح الخلاص منها شائكاً وصعباً على المواطن الواحد. ختاماً، معاصرة التحولات الاجتماعية والوطنية الراهنة، يجعلنا نتجه نحو البحث عن نقطة التقاء وتقارب، تجمع كافة الأطياف والتوجهات من أجل صفوف شعبية متماسكة وبناء وطني قوي، يحفظ الوطن وأبناءه من أي تحديات قد تطرأ. تثقيف المجتمع وتغذيته بالأفكار البناءة والأصيلة، التي تأخذ بيده إلى واقع العيش المشترك غاية ومطلب أساس من أجل حماية الإنسان وتقوية الوطن.