الغناء فن محبب لقطاع عريض من المجتمعات الإنسانية، الإ أننا كمجتمع عربي لا ينقصنا عرب أيدول يكتشف المواهب الغنائية ويقدمها للجماهير العربية بعد تصويت لجان البرنامج والجماهير على الأصوات المشاركة، في عملية دافعها تجاري في المقام الأول. الغناء كفن إنساني تعرض للتشوية من قبل دخلائه غنائياً وشعرياً وإنتاجاً وتأليفاً موسيقياً، لكن ذلك التشويه لا يغيره برنامج يذاع على الهواء أو حفلات منظمة لعمالقة الغناء العربي، بل يغيره قلم الناقد وذائقة الجماهير قبل كل شيء ومؤسسات الفنون المختلفة، وهذه هي الحلقة المفقودة، فالذوق الجماهيري بدأ يفقد مقومات التذوق الفني والجمالي، لأن الجيل الحالي والمقبل لم يتربّ على الجمال ولا يدرك أهمية الجمال أياً كان ذلك الجمال، ومؤسسات الفنون تعيش بمنأى عن الذوق العام في عملية انفصالية غير مقبولة على الإطلاق! من زمن أم كلثوم والعندليب وحتى عصور نجوم الغناء في الوطن العربي لم تتعرض الذائقة للتشويه أكثر مما تشهده الآن، فالتشويه اليوم تشويه بالقوة، فالفرض سمة ظاهرة للبرامج والإ كيف نفسر انتشار برامج المواهب الغنائية، فهدفها لايخرج عن إطارين الأول تجاري والثاني فرض أصوات على الجماهير التي في غالبيتها لم تتجاوز سن المراهقة، فالذوق مفقود بفعل عوامل عدة. بصراحة لا ينقصنا حزمة برامج تكتشف المواهب الغنائية، بل ينقصنا برامج تكتشف المواهب الإبداعية تأليفاً وكتابةً وابتكاراً واختراعاً، فالغناء مثلما هو منتوج بشري إنساني مقرب للنفوس، ووجوده مرتبط بإنسانية المجتمع، فإن الابتكار والاختراع والتأليف والكتابة منتجات بشرية إنسانية، هدفها في النهاية خدمة البشرية كافة وتدعيم الحضارة العربية بأسماء واكتشافات ومؤلفات تدرسها الأجيال المقبلة وتقف عند تفاصيلها الدقيقة، فكما أن الذوق بحاجة للمسات فنية إبداعية، فإن الواقع بحاجة أشد لابتكارات واختراعات ومؤلفات تنقل المجتمعات من مرحلة إلى أخرى. لست ضد برامج اكتشاف المواهب بل ضد طغيان برنامج وإهمال أخرى، وعلى عاتق المؤسسات العلمية والأدبية حمل ثقيل، فكما أن برامج مواهب الغناء تصدرت المشهد بقوة، فإن برامج تلك المؤسسات غائبة، فالدعم المالي قليل والجهات الراعية همها البحث عن التسويق لا أكثر، نحن في حاجة لترتيب أولويات وفي حاجة لإعادة ترميم ما فٌقد من الذائقة البشرية، فبرامج الغناء تزيد الطين بلة ذوقاً وأولوية.