يتحسف الكثيرون على غروب نجم الفن الجميل، ويقصد به الفن الغنائي التطريبي، وبسبب هذه (الحسافة) تجد بعض القنوات الفضائية تعيد الأغاني التطريبية، وتعنون تلك الإعادة بجملة (زمن الفن الجميل). يصدق هذا القول في بعض الأقطار العربية التي غادرها فنانوها العظام ومسخ الخلف ما تركه السلف. أكاد أجزم أن الأغنية السعودية ما زالت ممسكة بهذا الفن من خلال الهرم الكبير الفنان محمد عبده أمده الله بالصحة والعافية والفنان عبادي الجوهر والفنان عبدالمجيد عبدالله، وما زال رموز كتاب الأغنية لدينا يتحفوننا بأروع الأشعار المغناة؛ كالأستاذ الكبير إبراهيم خفاجي والأستاذة ثريا قابل والأميرين خالد الفيصل وبدر بن عبدالمحسن، ومع وجود هؤلاء ما زلنا نتنفس فنا راقيا لم يتنازل عن عرشه، ولكي يواصل الفن الغنائي رقيه يستوجب الأمر تغذية الساحة الفنية بمطربين شباب ليسيروا على النهج ويحافظوا على سلامة الذوق ورقي الكلمة، فالغناء الراقي ثروة وطنية يستوجب الحرص عليها كما نحرص على بقية الثروات التي تبقينا في رفاهية من العيش، وأقول هذا كون الفن الراقي يبقي في المجتمع الأخلاقيات الرفيعة، فالمجتمع الضامر والمتآكل تكون أداة الغناء فيه مماثلة لحالة الضمور التي يعيشها، وبالتالي تزيد من تردي الذائقة، وحين تتردى الذائقة تهدم لبنات السمو في ذلك المجتمع. وليس صحيحا أن زمن الفن الغنائي الجميل قد ولى، فالذي ولى هو الاهتمام والحرص على جودة وسلامة الغناء بأركانه الأربعة (اللحن والكلمة والمطرب والجمهور)، فهذه الأضلاع الأربعة هي المحيط الذي يحافظ على الفن، وانكسار أي منها يؤدي إلى تراخي الذائقة وتسامحها مع السامج والفج من الغناء. وفي كثير من الدول العربية كسر أحد هذه الأضلاع فتداعت له البقية وهبطت سويا. وإذ قلنا إننا ما زلنا نعيش جمال الفن في بلادنا إلا أن الساحة الفنية العربية تحاول جذب الجميع إلى نقطة واحدة، وهي أغاني (الشكشكة) أو أغاني (الموديل). وفي هذا السقوط يحتار الفنان الأصيل أي الطرق يسلك، فإن سلك طريق الفن الغنائي الراقي انفض من حوله الداعمون والجمهور؛ بحجة أن الجمهور (مش عاوز كذا)، وهو سبب يتم إشاعته من أجل الجذب المتوالي والتجميع عند نقطة هابطة، والدليل على ذلك أن كثيرا من الفنانين الشباب أعاد غناء قلائد الفن العربي وحظى بالشعبية لإعادته غناء أغنيات عمالقة هذا الفن أكثر من أن ينشهر بأغنياته، أما إذ أراد الفنان سلوك طريق (الطرقعة) انشهر إعلاميا، إلا أن المجتمع فقد فنانا أصيلا. وهذه الفئة من الفنانين الجادين والمحافظين على الأصالة لا يجدون أحدا في طريقهم، فهي مواهب حائرة لا تجد الدعم في الظهور والأخذ بيدها للمحافظة على صفاء جوهرها الفني وانتمائها الأصيل. ولم يعد الفن ذلك المجال الذي يفرح المنتمي له بظهور موهبة أصيلة، كما كان سابقا حين يفرح الملحن أو الشاعر في مساندة ومؤازرة الفنان الصاعد بكل الوسائل، وليس بعيدا تذكر الفنان لطفي زيني الذي وقف مشجعا لفوزي محسون، وقدم للساحة الفنية طلال مداح وعبادي الجوهر، ومثله فعل عمر كدرس وإبراهيم خفاجي والمرحومان بإذن الله طاهر زمخشري وعباس غزاوي، وهناك أمثلة عديدة وقفت جنبا إلى جنب مع الفنان الأصيل حتى يظهر ويواصل مد جسر الفن الراقي. وأتعجب الآن من وجود أصوات شابة في غاية العذوبة والرقة، وهي لم تأخذ نصيبها من الدعم والمساندة، أمثال محمد المشعل ومحمد هاشم ومحمد مجلي وعبدالله القرني، وكلها أصوات لو وجدت الدعم والمساندة، فسوف نطمئن على سمو ورقي فننا المحلي لسنوات قادمة. السؤال: ما الذي يغيب هذه الروعة من الأصوات؟ وهذا السؤال بحاجة إلى مقالة أخرى. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة