لا تكتشف ثقافة شعب إلا بآدابه وفنونه. ولا يمكن أن تصغي إلى "فن الصوت" دون أهله! ولا أجمل من أهله سوى حنجرة محمد المسباح.. إذا كان الإنسان في تعاقب الحضارات وانهيارها يخسر الكثير ويبقى منها ما هو خارج حسابات المكسب والخسارة في صورتها المعيشية والمادية. فإن أثمن مكسب هو هذا التراث المعنوي المستمر، إذا كان التراث المادي متغيرا بحسب تغير الموارد والمواد الطبيعية والصناعية، فإن حواس الإنسان وعقله وذائقته ومواهبه وقدراته يمكن أن تفاجئنا بما لا نتوقع كل مرحلة حضارية. أو ربما يكون تراث الإنسان محاولة للتكفير عن حضارة تحمل العار والعيب والجهل في صور مستحدثة، وهي ما أطلق عليها القصيمي "أمية العيون العربية" التي تعلم الأمية (القصيمي، 2001، 470). وبرغم مكاسب الغناء في الجزيرة العربية بمدارسه الثلاث: المدرسة الخليجية (النجدية الجذور)، والحجازية واليمنية خلال القرن العشرين إلا أن مدرسة الغناء الخليجية برزت لأسباب حضارية رفعتها إلى مصاف "مراكز الغناء العربي" المسؤولة عن تحولات الغناء العربي في القرن العشرين نفسه: القاهرة وبغداد، وبيروت والكويت(الواصل، 2013، 23-33). ولم تكن لها هذه النقلات الحضارية لولا تراكم المنعرجات الزمانية والمكانية في الجغرافيا والتاريخ والإنسان في كل المناطق منذ مراحل التحضر الإنساني فيها. وتمثل حنجرة محمد المسباح إحدى تجليات حضارة القرن العشرين والواحد والعشرين. دأب صاحب الصوت الرخيم، الذي انطلق عام 1987 في أول مجموعاته الغنائية اشتهرت منها أغنية "تمون"، على تقديم مختارات نفيسة من ذخائر التراث الكويتي منذ مجموعة "على خدي" (1996) والتالية "عديل الروح" (2004) بالانتقاء من أرشيف الغناء الكويتي بين القرن التاسع عشر والعشرين. وقد قدم مجموعة كبيرة من هذه المختارات، ضمن برنامج "سهرة خاصة" (2011) لإذاعة صوت الخليج، من "تراث الكويت المعنوي" أو بشكل أعم " المدرسة الغنائية النجدية" لفن السامري والخماري والصوت كذلك انتقى من أغنيات شرقية (بلهجة كويتية وتعتمد إيقاع الوحدة) أنتجت في القرن العشرين. بعض تلك الأغنيات الشرقية وضعها ملحنون وشعراء كويتيون على حرف أغنيات مصرية مثل: حمد الرجيب ويوسف المهنا وعبدالرحمن البعيجان وعبدالله بو غيث، وبعضها لحنها مصريون من فرقة الإذاعة والتلفزيون في الكويت مثل نجيب رزق الله ومحمد البنا وحمدي الحريري.