لطالما سمعنا في الشرق الأوسط عن إعجابٍ خفي بروسيا الفيدرالية، وبرئيس وزرائها، فلاديمير بوتين؛ هذا الإعجاب مرده في كثير من الاحيان إلى الود المفقود تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكذلك سياسات بوتين، الرجل الاستخباراتي، التي تظهر روسيا بمظهر الدولة القوية. ولكن في المقابل، فإن كون هذا الاعجاب خفياً، مرده إلى حرب الشيشان التي بدأت منذ منتصف التسعينيات، واستمرت ما يزيد على العقد، ولم تنته إلى الآن رغم حالة “الهدوء”, و”الاستقرار” النسبيين في شمال القوقاز، وفق ما تعلنه الحكومة الروسية والحكومات المحلية المعينة من قبلها. الحرب الروسية ضد الشيشان تسببت بمقتل ما يزيد على المائتي ألف، وتشريد أعدادٍ شبيهة، وقد لاقى الشيشانيون تأييداً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي، وبالطبع كان التأييد على المستوى الشعبي, وليس على الحكومي الرسمي. فلاديميير بوتين بوتين شخصياً هندس الحرب الشيشانية الثانية، والتي لاقت استهجان منظمات حقوق الانسان في العالم بأسره. وبعيداً عن حرب الشيشان، فإن الموقف الروسي من الثورات العربية، أبرز الموقف الروسي على حقيقته، وأظهر أن تنافسه مع الولاياتالمتحدة، لا يعني شيئاً للمصالح العربية، وللطموحات الشعبية, اتضح ذلك في التأييد الروسي للأنظمة العربية المختلفة رغم رفض الشعوب لها, سواء أكان معمر القذافي في ليبيا، أو بشار الأسد في سوريا, أو علي عبدالله صالح في اليمن، وقبلهما حسني مبارك في مصر وزين العابدين في تونس, بل وذم الحراك العربي عموماً ووصفه بالمؤامرة الأمريكية. تلاقي الدكتاتوريات النموذج الذي قدمه بوتين للدولة الروسية قائم على أساس حكم فردي، بشكل أو بأخر، وبغض النظر عن دور ديميتري ميدفيديف، وبالتالي فإن هذا يعزز فرضية أن الدكتاتوريات تتقاطع مصالحها وسلوكها السياسي، وهو ما يبرر الموقف من الثورات العربية. تاريخياً روسيا حائرة بين النموذج الديمقراطي، والنموذج توسعي الامبرطوري، والأول مغيب دوماً في العهود القيصرية, والشيوعية, والحالية الفيدرالية، إن جاز وصفها بذلك, وهذا النموذج المغيب خلف وجه حضاري لروسيا تمثل في الآداب، والثقافة، والفنون، ولكن السياسة كانت الطاغية دوماً. ولعل تصريح بوتين الأخير حينما أشار إلى أن الحكومة الروسية ارتكبت الأخطاء, ولم يعد الروس يثقون بها، وأنه سيعمل على تعزيز نموذج “الديمقراطية المباشرة” حين يعود إلى السلطة كرئيس للدولة، دليل جلي على روسيا نفسها تعاني من غياب الديمقراطية.