على امتداد الحضارة كانت الأمم والشعوب تسعى لتشكيل «مجالس الحكماء» كي تستمد منها التوجيه وتركن لمشورتها في أوقات وأزمنة المحن. إلى أن كرَّمنا الله بنعمة الإسلام فكان الدين هو الفيصل في شؤون الدنيا وكان العلماء هم الواجهة التي تتحطم عليها جميع المؤامرات التي يسعى أربابها من ورائها للكيد للأمة. وبعد ملحمة التوحيد ومع نشأة مملكتنا الكريمة فقد حرص جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على أن يكون الدين هو مصدر التشريع للدولة ويكون القرآن الكريم هو دستورنا. كما حرص هو ومن خلفه من بنيه الميامين على أن يكون للمؤسسة الدينية وضعها الاستثنائي في المملكة وكيف لا، ونحن أرض المقدسات الإسلامية وبلادنا هي مهبط الوحي على نبي الأمة. كما وأنه من خلال التحالف المبارك منذ قرون بين مؤسسة الحكم التي كان يرأسها آنذاك محمد بن سعود وبين المؤسسة الدينية التي كان يمثلها حينذاك الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولد هذا الكيان الإسلامي الخيّر وتشكل في صورته الراهنة المملكة العربية السعودية التي تعتبر واجهة العالم الإسلامي ومن يعمل جاهداً على توحيد كلمة المسلمين وعلى لم شعثهم وتوحيد صفوفهم. ولقد كانت المملكة خلال العقود الأخيرة عرضة لكثير من المؤامرات الخارجية التي تسعى جاهدة لتدمير كياننا وتحطيم لحمتنا الوطنية متبعة نهجاً شيطانياً يتمثل في التغرير بشباب الوطن وتأليبه على حكومته ورموزها من خلال تعويم المفاهيم الدينية وإلباسها غير ما عنيت به. بغية التغرير بأبنائنا ومن ثم تجنيدهم كقنابل بشرية توجه ضد أمن وطنهم ومواطنيهم. هؤلاء الشباب المغرر بهم قد غسلت أدمغتهم بخطب وضلالات الجماعات الحركية التكفيرية وحرفت لهم معاني الآيات والأحاديث ولويت أعناقها بحيث أظهرت لهم بأن دولتهم قد بعدت عن تطبيق الدين وبأن الحاكمية فيها لم تعد مستمدة من كتاب الله وشرعه وعليه فقد حكموا عليها بالكفر وبأن أي عمل إرهابي يوجه لها هو من باب الجهاد. فغرَّروا بشبابنا واستغلوا صغر سنهم وهشاشة وسطحية فهمهم وثقافتهم ومعرفتهم الدينية وجعلوا من أبنائنا قنابل موقوتة وجهت للوطن ولمصالحه ولأرواح أبنائه. فكان لهيئة كبار العلماء ممثلة بسماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وباقي علمائنا الأفاضل دور حاسم وعمل وطني نبيل في كشف شبهات وأكاذيب الجماعات الإرهابية التكفيرية والسعي الدؤوب لتعزيز الأمن الفكري من خلال حركة التأليف العلمي والخطب والمحاضرات والكتابات في مختلف وسائل الإعلام السعودية خاصة والعربية عامة فتكشف لعديد من شباب الوطن والأمة كذب وزيف عديد من المفاهيم الخاطئة التي مرَّرها لهم خفافيش الظلام من إرهابيين تكفيريين يسعون لهدم الدين وإفساد حياة المسلمين. كما أن قرار خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله في قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء قد شكَّل رافداً تكاملياً أسهم في قطع الطريق على المتعاطفين مع وأنصار الفكر التكفيري الضال من أن يجدوا مساحات دينية للتحرك من خلالها وصب أفكارهم وتوجيهاتهم الشيطانية الخبيثة وتمريرها من خلال الفتاوى الشرعية. إن حادثة احتلال الحرم في مطلع الثمانينيات الميلادية، وكذلك الأحداث التي تمخضت عن أزمة الخليج الثانية بالإضافة للحرب الضروس التي شنتها الجماعات التكفيرية الإرهابية علينا خلال عامي 2005-2006، وغيرها من الأزمات والقلاقل الإقليمية التي ألقت بظلالها علينا وعلى الأمة، في كل ما ذكرت كان لأعضاء هيئة كبار العلماء أدوار مشرفة تنضح إيماناً وصدقاً ووطنية سواء من خلال النصح وكشف الشبهات لشباب الأمة أو من خلال الدفاع عن مكتسباتنا الوطنية. إن دور هيئة كبار العلماء الوطني والمشرّف – على الدوام – في الذود عن حياض الدين والدولة وفي كشف الشبهات والنصح للمغرر بهم وإعادتهم لجادة الصواب لهو من الأمور الجليلة التي نسأل الله أن يثيبهم عليها وأن يحفظ ديننا وأمننا وقيادتنا ووطننا من كل شر ومكروه.