تناول عديد من الكتاب المحليين التفاعلات المحلية مع بروز الحالة الداعشية وتداعياتها، وأسهب بعضهم في تحليل ودراسة أسباب قيام هذه الحركة المتطرفة كلٌّ حسب رؤيته وتوجهاته، ولكن قليلاً منهم من تناول حجم التأييد الضمني والعلني الذي تلقاه توجهات هذه الحركة محلياً. مع كل أسف لا توجد لدينا مراكز أبحاث ودراسات متخصصة تتناول دراسة التوجهات الفكرية والسياسية في المملكة، وتستقصي مدى التأثيرات التفاعلية مع القضايا والتطورات الإقليمية، كي يمكن تشكيل رؤية علمية دقيقة للتعاطي معها. لذا فإن كثيراً منا يعطي تصورات وانطباعات عامة، بعضها ليس دقيقاً حول هذا الموضوع، ولكنه قد يشكل مقاربة مبدئية حول هذه الظاهرة وغيرها. ما لفت انتباهي هو حجم التأييد الذي تلقاه حركة داعش في الأوساط المحلية، خاصة في أوساط الشباب وعديد من المثقفين والعلماء، بصورة لم أكن أتوقعها، وذلك من خلال النقاشات والحوارات والتعليقات التي أقرأها وأشارك فيها. الجماعات الجهادية المتطرفة كطالبان والقاعدة وداعش وحركة جهيمان التي سبقتها كلها جماعات أصولية متطرفة لها روابطها المحلية وتداخلاتها مع الوضع الداخلي إما بصورة مباشرة أو غير ذلك. ولعل هناك كثيرين في وطننا ممن يحملون نفس التوجهات والأفكار لهذه الجماعات، ويؤيدون ما تقوم به هذه الجماعات من أعمال إرهابية ضد مخالفيهم من أنظمة سياسية أو وجود اجتماعي. بعضهم هنا يرى توافقاً ذهنياً بين ممارسات هذه الجماعات وبين المنظومة الفكرية التي نشأ عليها؛ لذا فهو لا يستنكر مطلقاً تخيير المسيحيين في الموصل بالعراق بين دفع الجزية أو التهجير، ولا يرى إشكالاً في رجم المتهمات بالزنا أو صلب المخالفين والمتهمين بالتظاهر بالإفطار. الشاب الذي قام بتحطيم التماثيل في اليابان لا يختلف في المنطلقات الفكرية عن الجماعة التي تهدم القبور والمزارات حالياً في مختلف أنحاء العراق، والداعية الذي يملأ المسجد هنا صراخاً ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى يمارس نفس الدور الذي يقوم به خطباء هذه الجماعات. التأييد لهذه الجماعات لدى بعضهم نابع من كونهم يستقون فكرهم الأحادي والتكفيري من ذات المصدر، وأن قيام الدولة الإسلامية المتمثلة في الخلافة يعتبر مشروعاً مثالياً مشتركاً يسعون إليه؛ حيث إن الصورة الذهنية المتمثلة لديهم تدفعهم إلى العمل لتحقيق هذا النموذج. أتفق مع ما ذهب إليه عديد من المثقفين الواعين بأنه لا مناص من إعادة النظر بصورة فاحصة في المكونات الأساسية للفكر المتشدد الذي نبت عليه هؤلاء وغيرهم، والتصدي له عبر مشروع مناصحة وطنية شاملة ليس لأفراد بذاتهم بل لكل متلقٍ لهذه الأفكار. إننا بحاجة إلى مراجعة المناهج التعليمية -خاصة الدينية منها- كي تكون أكثر انفتاحاً وتسامحاً واتساعاً للتنوع الإنساني، وأن تعالج البيئة التعليمية الحاضنة كي تُنقى من حالات التشدد والتصنيف والتمييز، كما ينبغي أيضاً العمل على مشروع وطني لنشر ثقافة التسامح والتعايش في المجتمع السعودي.