تعددت وتطورت البرامج الثقافية في السنوات الماضية بسبب تعدد القنوات الفضائية، وأصبحت تلك القنوات تتنافس في عرض برامج ثقافية عالية المستوى والتنفيذ واستقطاب المعدين والمقدمين المتميزين لإدارة تلك البرامج للخروج بأفضل إخراج وإنتاج برامج ثقافية يستقطبون من خلالها أكبر عدد من المثقفين والمفكرين الذين لهم متابعة واهتمام بالمشهد الثقافي. والبرامج الثقافية تعتمد اعتماداً كبيراً على المعدين لها من خلال تحديد موضوع النقاش والحوار، وإعداد المحاور التي سوف يتم مناقشتها مع الضيف أو الضيوف، كما تعتمد تلك البرامج أيضاً على المقدمين المتميزين لها وكيفية استعدادهم لطرح موضوع النقاش مع الضيوف، وكيفية إدارتهم جلسات تلك البرامج، وهذا ما سوف أتناوله في هذا المقال تحديداً وهو التكوين الثقافي لمقدمي تلك البرامج الثقافية. ما شدني لكتابة هذا الموضوع وطرحه هنا ما قام به زميلي الصحفي نايف البقمي الذي أعد تقريراً لصحيفة مكة عن «مقدمي البرامج الثقافية بين ضعف الإعداد والاستعراض أمام الضيوف» وكنت أحد الذين أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، إلا أنني أحسست أن هذا الموضوع يستحق الكتابة فيه لأهميته ولرغبتنا جميعاً بأن يكون مقدمو برامجنا الثقافية في أحسن حال ومن تطور إلى تطور أفضل. لو نظرنا إلى واقع مشهدنا الإعلامي خاصة المرئي منه فإننا نستشعر بعدم التفاؤل بتقدمنا وتطورنا خاصة في تقديم البرامج الثقافية، وربما يعود ذلك لأننا قد لا نعطي لأصحاب التخصصات والخبرات أهمية عند اختيارنا للكوادر التي سوف تدير أي عمل إعلامي، ولعل هذه الثقافة سائدة ومسيطرة علينا في أغلب تعيينات واختيار مؤسساتنا الحكومية والخاصة لموظفيها. أغلب مقدمي البرامج الثقافية في قنواتنا الفضائية السعودية هم من المتعاونين وليسوا من المتفرغين لعملهم تفرغاً كاملاً، وهم من الهواة الذين لديهم الرغبة في العمل الإعلامي رغم نقص الخبرة الإعلامية لهم بسبب عدم تخصصهم في هذا المجال مما جعل أداء أغلبهم ضعيفاً وركيكاً وغير جاذب. ويتنوع مقدمو البرامج الثقافية في تكوينهم الثقافي فهناك من لديه الرغبة في تطوير نفسه بشكل دائم من خلال متابعته الدائمة للمشهد الثقافي وقراءته المكثفة للتحليلات والاستنتاجات التي يكتبها المثقفون، كذلك استعداده الدائم للاطلاع على مواضيع الحلقات وتغطيتها تغطية متكاملة من خلال اطلاعه على حيثيات الموضوع وأبعاده من جميع جوانبه، وكذلك قراءته التفصيلية عن الضيوف وما هي توجهاتهم ونوعية كتاباتهم؟ ليختصر الطريق على المشاهد ويقدم برنامجه بشكل رائع ومتميز، كما أن بعض مقدمي البرامج الثقافية يكون لديهم الخبرة والحرفية في إدارة البرامج الثقافية من خلال طرح الأسئلة على الضيوف أو الضيف وانتقال الحديث من متحدث إلى آخر بشكل جيد، واختيار الأسئلة المناسبة للضيوف والابتعاد عن استعراض عضلاته أمام الضيوف بإبراز ثقافته أو خلفيته عن أي موضوع، وأغلب هذه الخصائص من وجهة نظري إذا تكونت لدى أي مقدم برامج ثقافية فإنه سوف يكون من الذين نحن نبحث عنهم ونتابعهم لتميزهم عن غيرهم. أما النمط الآخر من أولئك المقدمين فهم الذين لا يبالون بأهمية تلك البرامج ولا بضيوفها أو خاصية مواضيعها، فهم يأتون لتقديم تلك البرامج من واقع ثقتهم بأنفسهم بالحديث أمام الكاميرا والميكرفون، ولذلك يظن أولئك المقدمون أن هذا هو أهم شيء في هذا الأمر، لذلك تجدهم لم يطلعوا أو يبحثوا عن الموضوع المراد مناقشته، وإنما تعرفوا على أسماء الضيوف وعنوان حلقة البرنامج قبل البث بعشرات الدقائق، مما يؤثر ذلك على طريقة تقديمهم وطرحهم للأسئلة وتكرار أنفسهم أمام المشاهدين بطريقة مملة خالية من التجديد والإبداع. وقد أشرت في مقال سابق إلى تميز القناة الثقافية في عملها الإعلامي وتغطيتها كثيراً من الفعاليات الثقافية المهمة، وهنا أيضا أود الإشارة إلى إعجابي الشديد ببرنامج ثقافي جديد بدأ بثه على القناة الثقافية منذ أسابيع ويعده الإعلامي ياسر الجنيد ويقدمه الأستاذ مفرح الشقيقي وهذا البرنامج يعطينا نوعاً من التفاؤل في تطور برامجنا الثقافية إلى الأفضل، فالمتابع لهذا البرنامج يشعر بالمهنية العالية في الأداء والتقديم والإعداد، وكيفية طرح الأسئلة على الضيف من خلال الاطلاع على سيرته الذاتية ومقالاته وتصريحاته وتغريداته في تويتر على بعض المواضيع، وهذا هو المطلوب كما ذكرت من كل معد ومقدم. ختاما جميعناً يتمنى أن تهتم هيئة الإذاعة والتليفزيون بتطوير الكوادر البشرية خاصة مقدمي البرامج الثقافية، واستقطاب المتميزين والمبدعين للعمل في تلك البرامج الثقافية، وتحفيز وتطوير مقدمي البرامج الذين يعملون بالهيئة وتشجيعهم بالبقاء في عملهم حتى لا تخطفهم القنوات الفضائية الأخرى ونبدأ بالبحث من جديد عن مقدمي برامج متميزين لقنواتنا الثقافية.