رأى عدد من المثقفين أن البرامج الثقافية على القنوات الفضائية العربية مازالت لا ترتقي إلى طموحهم، وأنها تعد الأقل قبولاً لدى مشاهدي القنوات الفضائية، رغم إطلاق قنوات متخصصة في الثقافة. وأوضحوا أن التقليدية في الطرح، وضعف الإعداد، وعدم ثقافة المذيع، إضافة إلى عدم تعمق تلك البرامج في القضايا الثقافية التي تطرحها، هي من أهم أسباب فشلها، مرجعين ذلك بأكمله إلى قلة المخصصات المالية لهذه البرامج، التي جعلت القائمين عليها يعانون من صعوبة إنتاج برامج ترتقي إلى طموح المثقفين. إعداد وتقديم عبدالرحمن المهوس قال عضو هيئة التدريس في جامعة الدمام الدكتور عبدالرحمن المهوس، إن البرامج الثقافية تندرج تحت الإعلام الثقافي، وهو إعلام متخصص يتطلب توافر حد أدنى من الثقافة، وحد أدنى من المهارات الإعلامية، بحسب الوسيلة، مشيراً إلى أن هذا يجعل الإعلامي الثقافي عملة نادرة فوق ندرة الإعلامي الماهر بشكل عام. وأشار المهوس، وهو مدرب إعلامي، إلى أن أول ما يلاحظ على البرامج الثقافية هو ضعف الإعداد والتقديم؛ لأن الإعلاميين غالباً ما يكونون غير مؤهلين إعلامياً، وحظهم من الثقافة يسير، لذا يقدمون مادة إعلامية فقيرة ثقافياً لا تُرضي جمهور المثقفين. وإذا كانوا مثقفين، فهم بلا مهارات إعلامية. و»تجد طرحاً نخبوياً موجهاً إلى فئة محدودة من المثقفين دون الجمهور العريض. أو لا هذا ولا ذاك، فيصبح البرنامج طامة كبرى». ضعف الميزانيات وتابع «وحتى لا نجور على الإعلاميين، فإن القنوات تتحمل المسؤولية الأكبر عن ذلك، وليس المعد، أو المقدم، فهناك كوادر إعلامية جيدة، لكن لم تتوافر لهم الفرص والإمكانات التي تساعدهم على التميز. ومن الواضح عدم إيمان القنوات بأن البرامج المتخصصة مختلفة، وتعاملها مع البرامج المختلفة بالطريقة نفسها، وهذا مستغرب، فما تحتاج إليه لبرنامج اجتماعي يختلف عن الثقافي، أو الاقتصادي». وأوضح أن من الصعب حصر البرنامج الثقافي على الثقافة المحلية، كما تفعل في برنامج اجتماعي، لأن الثقافة منفتحة، «ولكي تقدم شيئاً جيداً، يجب أن تتعامل القنوات مع هذه البرامج بشكل مختلف، ويرى أن ضعف الميزانيات المخصصة لهذه البرامج، إن وُجدت ميزانية، أحد الأسباب المهمة، ويقول: لكي تقدم برنامجاً ثقافياً جيداً فأنت في حاجة إلى ميزانية تسعفك، في السفر والاستضافة، والاستعانة بخبراء، ومثقفين، وفنيين. وهذا لا يتوافر في القنوات العربية»، مبيناً أن «جُل ما تقدمه القنوات مكافأة للمعد والمقدم لا يستحق الذكر». ورأى المهوس أن الرقابة الصارمة على البرامج الثقافية بشكل لا يتناسب مع المرحلة الراهنة، جعلها في مكان قصيّ عن المشهد الثقافي، مؤكداً ضرورة تحرير البرامج الثقافية من القيود الرقابية. فريق عمل وقال إن عزوف الجمهور عن البرامج الثقافية هو نتيجة للتغيرات السياسية والتقنية والاجتماعية التي تجتاح العالم، وهذا بكل تأكيد يؤثر في موقف القناة من البرامج الثقافية، «فالقنوات تستهدف الجماهير، سواء كانت رسمية، أو خاصة، والبرنامج الذي لا يستقطب الجمهور لا يكون من أولوياتها». ورأى أن الحل هو تطوير هذه البرامج من قِبل القنوات، بتخصيص ميزانيات مناسبة، وألا تسند هذه البرامج إلى أفراد، وإنما إلى فرق تضم مثقفين وإعلاميين، بحيث يكمل عمل بعضهم عمل الآخر، وأن تحرر من القيود الرقابية الصارمة، وأن يدرب الإعلاميون بشكل جيد، وأن تجنح إلى الشمولية في الطرح. ارتجالية طرح سامي الجمعان ذكر عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فيصل الدكتور سامي الجمعان، أن هناك أطروحات جيدة في مجال البرامج الثقافية، إلا أنه يعوزها شيء من التنظيم أولاً، بمنع التداخل، وتحقيق الترابط بين الموضوعات، إضافة إلى أن أغلبها في حاجة إلى إعداد جيد، حيث تغلب الارتجالية على معظمها، مستدلاً على ذلك بالإعداد للقاءات الضيوف قبل يوم أو يومين من موعد البرامج، «وحين يغلب الارتجال فهذا دليل قاطع على أن ثمة أهدافاً، أو رسالة، أو رؤية مفقودة، في صناعة هذه البرامج». وأضاف «لاحظت أيضاً أن غالبية المحاورين يتكلمون أكثر من الضيوف، من باب استعراض العضلات، وتلك معضلة كبيرة، فأنا حين أحضر لمشاهدة برنامج تليفزيوني ثقافي أحضر من أجل الضيف، لا من أجل المذيع، وبالتالي فالضيف هو مركز اهتمامي، أما إخواننا المذيعون العرب فكلامهم يطول، ومقاطعاتهم تطول، وبالتالي هناك برامج ثقافية لا يمكنني مشاهدتها، لأنني أعلم مسبقاً أن من يدير الحوار هو المتحدث، وليس الضيف». كما رأى الجمعان في هذه البرامج عدم تركيزها على الفعاليات الثقافية الآنية، أو أجندات البرامج الثقافية اليومية، «وهي المحك الأساسي للعمل الثقافي، فنجدها تغطي المناسبات على استحياء، ولا تقوم بدورها الواجب عليها في هذا السياق». إيقاع بطيء عبدالله الوصالي وعدَّ الأديب عبدالله الوصالي إيقاع البرامج الثقافية العربية تقليدياً وبطيئاً، لافتاً إلى أن تلك البرامج يفترض أن تكون مرنة أكثر، موضحاً أن شخصية المثقف السعودي تميل إلى هذا الأسلوب. وقال إن هناك شخصيات مميزة تستضاف في هذه البرامج، «لكن تبقى المشكلة في غياب الإعداد الجيد، الذي ينبغي أن يُفرَّغ له متخصصون، والمقدم يجب أن يحظى بالثقافة، وبخلفية ولو بسيطة عن الموضوع، لتلافي الوقوع في شرك المجاملة في تناول القضايا». وأضاف «ما نلاحظه هو غياب الاجتهاد في فتح ملفات ثقافية من داخل المشهد الثقافي، بحيث يستفاد من هذا الضيف. ولم أجد، مثلاً، من يطرح موضوعات مهمة، كالفلسفة مثلاً، التي تعدّ من الملفات المغلقة». ضعف المذيعين جاسم العثمان أما المذيع التليفزيوني جاسم العثمان، فيوضح أنه يأسف حين يتابع هذا النوع من البرامج، ويقول «نجد أنها لم تأخذ نصيبها مثل باقي البرامج، كالبرامج الترفيهية، أو البرامج الحوارية، ومن المؤسف أيضاً تقصير القنوات الثقافية المحلية بحجة قلة الإمكانات المالية المخصصة في موازنة القناة لمثل هذه البرامج». ورأى العثمان أن معظم البرامج الثقافية تعتمد على ما يتوافر لها من إمكانات مالية وبشرية وتقنية، لدرجة أنه يتم التركيز على الديكور دون المحتوى، «فالديكور أصبح من ضمن وسائل الجذب عند المشاهدين». وحول درجة نجاح هذه البرامج، قال «إنها متدنية قياساً ببرامج المنوعات، سواء في القنوات المحلية، أو القنوات الأخرى، فالمذيعون ليسوا على مستوى المذيعين المشهورين في البرامج العالمية المشابهة، ولذلك يبقى المشاهد العربي ملتصقاً بالبرامج الترفيهية»، مشيراً إلى أن هناك اختلافاً بين المميزات التي يحصل عليها مذيع في برنامج ثقافي ومذيع في برنامج رياضي، أو ترفيهي، أو منوع. وأضاف أن الامتيازات محفز قوي لكثير من الوجوه الإعلامية، إلّا أنه لا يعتقد أن لدى القنوات الثقافية العربية «القدرة على استقطاب إعلاميين متميزين، لأن القناة المحلية تتعامل بموجب لوائح محددة بحوافز بسيطة جداً، والقناة الثقافية المحلية تفتقر إلى المذيعين المتميزين، وكثير من الإمكانات التي تساعد على إنجاح البرامج»، موضحاً أن المذيع، مثلاً، هو المعد، وهو المنسق، وهو الذي يقوم بدور العلاقات العامة، غير القنوات الاحترافية، فيعمل في البرنامج الواحد «فريق متكامل من معدين ومنسقين، والمذيع يقدم المادة فقط». وتابع العثمان «بصراحة، هناك مشكلة كبيرة في اختيار الضيوف، حيث لا يمكن للمذيع دعوة ضيف من خارج المنطقة التي يعمل فيها، لأنه لن يستطيع تأمين تذاكر سفر، وسكن مناسب، فيأتي الضيف مجاملة للمذيع، وأعتقد أن هذا الزمن ولّى وانتهى».