* الكلمات السلبية لها تأثيرها على العقل الباطن، الذي يحولها إلى ردة فعل سلبية ومع الوقت تترسخ في كيان الشخص وتكون بوابة لكل ممنوع ومرغوب بحجة الملل «طفش» وملل وسآمة وضجر، كلمات أصبحنا كثيرا ما نسمعها أو نقرأها في حياتنا الاعتيادية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، تصدر من موظفين وموظفات وأزواج وزوجات، وأيضاً من شريحة هي من أهم شرائح المجتمع وهم الشبان والشابات، ويفترض أن تكون هذه العبارات أبعد ما تكون عن واقع حياتهم وجوهر كيانهم، كونهم هم أساس البناء والكفاح والتواصل والعطاء، حتى ما لبثنا أن رأينا العدوى تنتقل إلى شريحة لا نظن بهم إلا خيرا ولا نترقب منهم إلا نفعا، من مسؤولين وشخصيات وأعلام، بدليل ما نراه في كثير من المؤتمرات والندوات التي ما تلبث أن تبدأ حتى تجد منهم من يبادر إلى هاتفه النقال ويبدأ في تفحص عِلله والتنقيب عن مكامنه. فهي علامة على الملل والسآمة بلسان الحال لا المقال. وللقارئ الكريم أن يتساءل: كيف لهذا الشخص صاحب المكانة أن يكون بهذه الحال في خضم المسؤوليات الخارجية المنوطة به؟ وكيف لهذا الشاب وهذه الشابة أن يخيم عليهما شبح الملل والسآمة في ظل هذه الملهيات ومشاغل الحياة، والجواب أن الخواء ليس ظاهرياً بقدر ما هو داخلي فكل إنسان لديه ما يشغله ظاهرا (بحسب اعتقاده)، وفي الواقع هو الخواء والفراغ الداخلي الذي نبعت منه عِلل الملل والسآمة، فظاهر كل إنسان علامة وقرينة على باطنه، ولاشك أن السآمة والملل عنوان الفراغ، وإلا لو كان هذا الشخص صاحب هم وهمة لانعكس ذلك على ظاهره ولم يعان من هامشه. لذا من يلجأ حال الملل والسآمة إلى هاتفه النقال ما يلبث إلا والملل والسآمة قد زادت من وطأتها عليه، وكما قال أحدهم: «نمت وأنا أقرأ كتابا مملا، ورأيت في المنام أني ظللت أقرأه، فاستيقظت من الملل» على عكس ما لو قام بعمل مفيد ويحبه فإن النتيجة ستكون أكثر إيجابية. لذا فإن الملل إذا دب في النفوس صيرنا مزعجين لأنفسنا وللآخرين، يقول مصطفى محمود: «إذا جثم عليك كابوس الملل أبحث عن واحد يمل معك». وأيضا فتكرار الكلمات السلبية سواء كتابة أو اطلاعا لها تأثيرها على العقل الباطن، الذي بدوره يتبنى هذه السلبيات فيحولها إلى ردة فعل سلبية، ومع الوقت ومن حيث لا يشعر تكون نتيجتها أنها تترسخ في كيان الشخص وتصبح سبيله إلى الجمود والقبوع، بل وأيضا بوابة له إلى كل ممنوع ومرغوب بحجة الملل و«الطفش»، فكلمة مثل ملل وطفش لا تزيد الشخص إلا كسلا وشقاء وتهاوناً وبلاء، فيشعر كاتبها وقارئها معها بالخمول والدعة والرغبة في الاستسلام والتحرر من كل قيد في سبيل تفريج هذه الكربة، فالكلمات كحلقات السلسلة تتبع إحداها الأخرى، وهذا ما يسمى بقانون التساوي في العقل الباطن. فهذه العبارات تؤثر عليه بشكل متساو، بمعنى أن الأشياء التي تفكر بها التي سترى منها كثيرا ستجعلك ترى مثلها بالضبط، فلو كنت تفكر بالسعادة فستجد أشياء أخرى تذكرك بالسعادة وكذلك العكس، فعلى قدر تركيزك على الشيء تحصل عليه إما سلباً أو إيجاباً. إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فكثير من هذه الكلمات السلبية تتطور حتى تصيب الشخص بأمراض عضوية أو أمراض لا وجود لها، بل إن صاحب هذه السلبيات ما إن يقرأ أو يطلع على مصيبة أو فاجعة أو مرض حتى يظن أنه هو الضحية المقبلة، وأنها مدركة له لا محالة، والدافع لهذا الشخص هو مجموع التراكمات التي كونها في عقله حتى أصبحت توقعات يترقبها ويعيشها في أي لحظة، بعيدا عن الأمل والتفاؤل والقوة والصبر وكما قيل: الحياة ليست مملة أبداً، لكن بعضنا يختار أن يمل. إننا في وقت نحتاج فيه إلى مراعاة كلماتنا واستبدالها بما ينمي فينا القوة والإدراك والعزيمة والمثابرة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أصدق الأسماء حارث وهمام) وأيضا قال: (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي)، ولأن الأسماء قوالب للمعاني، ودالة عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبين مسماها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تغيير أسماء كثيرة سواء لأشخاص أو أماكن، لما لها من أثر إيجابي وملموس، فللأسماء تأثير على المسميات في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة و كما قيل: وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه.