تسمع أحدهم يقول لك «أنا لا أمل» ولا يداهمني الملل.. وتستغرب من إجابته لأنك تثق تماماً أنه لا يوجد على سطح الأرض شخص واحد لا يمل، مهما كانت درجات الملل متفاوتة أو مرتبطة بزمن معين أو مكان.. فالشخص قد يمل من البقاء في المكان الواحد، أياً كان هذا المكان.. بمعنى إن كان مكانه الأصلي.. أو مكاناً انتقل إليه مسافراً.. أو مغيراً إقامته.. وقد يمل من اعتياد بعض الأشياء كتناول طعام معين، أو ارتداء نوعية ثابتة من الملابس، أو الألوان.. أو مشاهدة برنامج واحد، يشعر بعدها بالملل من تكراره.. قد يمل أيضاً من الجلوس في المكان الواحد، فتجد الشخص يتحرك يمنة ويسرة وعندما تسأله لماذا تدور؟ يقول لك إنه ملّ الجلوس ويبحث عن التغيير.. آخر اعتاد السفر إلى مدينة معينة.. منذ سنوات طويلة، وفجأة تكتشف أنه غيّرها فتسأله يقول لك إنه مل تكرار المناظر.. وأيضاً ما يقوم به كل عام في نفس الأماكن المعتادة.. فقرر كسر ذلك بتغيير المكان.. في العمل قد تكون تمارس عملك منذ سنوات.. ولكن أحياناً تشعر بالملل منه.. فتتوقف عن ممارسته إما بعد الحصول على إجازة طويلة.. أو تركه والبحث عن عمل آخر. من لا يستطيع تغيير عمله ويشعر بالملل منه إما بشكل مؤقت أو مستمر ماذا عليه أن يفعل؟ وهل هذا الشعور يعد أمراً سلبياً؟ في الواقع إن الكثير منا يظن أن الشعور بالملل أثناء العمل يعد أمراً سلبياً، لكن دراسة جديدة تشير إلى أن هذا الملل يمكن أن ينطوي على نتائج إيجابية من بينها زيادة القدرة الإبداعية لأنه يمنحنا الوقت لإطلاق العنان لأحلام اليقظة. جاء ذلك في دراسة للدكتورة (ساندي مان، وديبكا كادمان) بجامعة سنترال لانكشاير في المؤتمر السنوي لفرع الطب النفسي المهني بالجمعية البريطانية للطب النفسي في مدينة شيستر.. وذكرت المجلة أن الدكتورة مان والسيدة كادمان اجرتا دراستين، في الأولى طلب من 40 شخصاً تنفيذ مهمة (نسخ أرقام دليل الهاتف) خلال 15 دقيقة ثم طلب منهم بعد ذلك استكمال مهمة أخرى (اقتراح استعمالات مختلفة لاثنين من الأكواب المصنوعة من مادة البولسترين) لإتاحة الفرص لاظهار قدرتهم على الإبداع. تبين أن الأربعين شخصاً الذين قاموا بنسخ أرقام الهواتف كانوا أكثر إبداعاً في هذه الحالة مقارنة بمجموعة معينة من الأشخاص طلب منها فقط اقتراح استعمالات للأكواب.. ولمعرفة ما إذا كانت أحلام اليقظة تمثل عاملاً في ذلك.. جرى إدخال مهمة مملة ثانية سمحت بقدر من أحلام اليقظة أكثر من مهمة الكتابة المملة.. حيث تم تكليف 30 شخصاً بنسخ الأرقام، ومجموعة ثانية 30 شخصاً طلب منهم قراءة الأرقام بدلاً من كتابتها.. وتوصل الباحثون مرة أخرى إلى أن الأشخاص الذين طلب منهم كتابة الأرقام كانوا أقل إبداعاً، لكن الأشخاص الذين اقتصرت مهمتهم على مجرد قراءة الأسماء كانوا أكثر إبداعاً من الأشخخاص الذين تعين عليهم كتابتها.. ويدل هذا على أن الأنشطة المملة الأكثر سلبية مثل القراءة، أو ربما حضور الاجتماعات يمكن أن تؤدي إلى درجة أكبر من الإبداع..