الكل يهرب من هذا السؤال، والكل يقلقه هذا السؤال، لأنه لامفر منه( كلا لاوزر. إلى ربك يومئذ المستقر) هذا السؤال يحوم مثل الطائر فوق عنق كلُّ واحدٍ منَّا، سواء كان شاباً أو شيخاً، سقيماً أو سليماً، فمن يقتل في سوريا في شتاء 2012م هم الشباب الأصحاء ، كما أن المريض قد يمتد به الأجل ، فلا ساعة مضمونة لأي كائن وما يحكم الأجل كتاب. كما أن الصحيح قد يقع مثل السكران فيتطوح فتخطفه يد المنون ولاتبالي. يقول (شوبنهاور الفيلسوف الألماني): إنَّ الطبيعة تسحق الفرد ولا تبالي. بقدر حفاظها وبعناد وإصرار على النوع. هو يقول الطبيعة ونحن نقول( وهوالقاهر فوق عباده). كنت في مونتريال أتأمل شجرة تتساقط أوراقها. قلت لابنتي أروى بجنبي وقد فجعنا نحن الاثنين بخسارة أحب الناس إلينا أمها وزوجتي. تأملي يابنية هذه الورقة إنها تسقط بكل جمالها فتبرز من مكان موتها وريقات، كما نبت من رماد ليلى سبعة أحفاد. حين تتساقط أوراق شجرة القيقب في كندا قد تلونت بالأحمر النحاسي، لايمكن لكل من عنده لمسة من الذوق الجمالي إلا أن ينحني بحب وتواضع فيتناول ورقة؛ فيضعها بين أوراق كتاب يقرؤه. كل ورقة تسقط هي حياة كاملة وقصة رومانسية وكذلك الأفراد. شباب الثورة السورية الذين يتساقطون يختلفون عنَّا نحن من نعيش الربع الأخير من الحياة. هم يعيشون اللحظات الزاهية الجميلة في الربع الأول من الحياة. هم يستقبلون الحياة ويودعونها على كل جمالها، مقابل دخول جنّة الحرية؛ فما أعظمها من ميتة. أن يموت الإنسان ويدخل عالم الأبدية من باب خاص اسمه بوابة الشهيد لهم أجرهم ونورهم. لاتدري نفس ماتكسب غداً ولا تدري نفس بأي أرض ومرض وحادث تموت. أذكر جيدا فقرة من كتاب (الإنسان يبحث عن المعنى) لفيكتور فرانكل وهو يروي تدافع المسجونين في معسكرات الاعتقال لركوب الشاحنات في لحظات انهيار الرايخ الثالث النازي على أمل النجاة والنازيون يقودونهم إلى وجبات الإعدام الأخيرة! نجا الرجل بمحض الصدفة. قال في هذه المنعطفات المصيرية هناك يد خفية تحدد مسارات الحياة والموت. «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور».