العمل الصحفي والإعلامي والاتصالي يتقدم في العالم اليوم ليصبح شاهداً وضميراً على ما يحدث للشعوب وهي تبحث عن زمن حريتها واستقلالها. تتغير ملامح الدول عادة بفعل الضواغط السياسية والاقتصادية، لكننا نضيف إليها اليوم، الفاعلية الإعلامية التي تكتسح كل المتاريس والحدود الرسمية وتقتحم وعي الناس وتحرك إرادتهم الكامنة. على المستوى المحلي فإن نخبة من الأقلام ترفع الغطاء بجرأة نادرة عن معضلات الواقع وتقتحم غرفه المغلقة بكل ما تمتلكه من وسائل، لكن تلك الطاقات الصحفية لا تخرج من حدودها لتغطي أحداث العالم، وفي طليعتها حراك الربيع العربي الذي يندلع في أكثر من دولة. فنحن قليلاً ما نقرأ تغطيات ميدانية بأقلام إعلاميينا عن متغيرات المشهد المصري أو الليبي أو السوري.. لكنك لن تعدم ألوف الصحفيين والمصورين الأجانب بكل سحناتهم وهم يغطون الأحداث في تلك الدول لتبث في أصقاع الأرض. بعضهم كتب عشرات التقارير وألف الكتب وربما صنع الأفلام الوثائقية عن تجاربه على جبهات القتال داخل الدول العربية أو في الدول المحيطة بنا فيما ترزخ وسائل إعلامنا كقنوات مستقبلة لتلك الأخبار والتغطيات التي تضخها وكالات الأنباء العالمية. ورغم فداحة التضحيات التي يقدمها المراسلون من أجل إيصال الحقيقة إلى الآخرين، فإن أغلب من يسقطون لا يقعون بطريق الخطأ بل أن السلطات تصنع فخاخاً لكي يقعوا فيها، وهو ما حدث لمراسلين عرباً وغربيين في العراق وليبيا. في 11 يناير الماضي، تعرض المراسل الفرنسي، جيل جاكييه، وفريقه التقني لهجوم صاروخي في مدينة حمص السورية ما أدى إلى مصرعه وجرح مرافقيه. لكن صديقه الصحافي، سيد حموش قدم شهادة لصحيفة فرنسية أظهرت أن فكرة الموت الخطأ هي كذبة حقيقية من الجماعات المقربة من النظام السوري. ويروي حموش لحظة بلحظة كيف كان المسلحون في منطقة القصف يرشدون الجميع إلى التوجه إلى المنطقة التي تمطرها القذائف. يقول حموش: إن ما أنقذني هو أنني تصرفت بعكس ما طلبه مني أولئك المسلحون حيث هرعت إلى كتيبة من العسكريين ورحت ألتصق بهم لأحمي نفسي من القناصة المنتشرين على سطوح العمارات .. تغطية الحروب والأحداث المتفجرة ليست نزهة، ولا يقدم عليها سوى الإعلاميين المهنيين القادرين على العيش فوق الصفيح الساخن للأحداث، ومصرع بعضهم على الجبهات أو في المواقع الساخنة داخل الدول، هو سؤال مرير تمتنع السلطات عن الإجابة عنه، إلا بعد زوالها أو تبديل أقنعتها .. والمشكلة أن الحكومات لا ترى في مراسلي الوكالات سوى حلفاء لأعدائها فهم دائماً جواسيس، أو ينقلون الواقع مشوهاً، أو أنهم بلا ضمير...! يتحدث الصحفي الأمريكي «كريستوفر ديكي» الذي غطى الحروب منذ الثمانينيات الماضية عن شهر عسله الذي لم يتجاوز يومين فقط ليسافر إلى السلفادور لتغطية مذابحها في مارس 1980م. يقول: «بالنسبة لمن نتركهم في الوطن فليس هناك من أوسمة، إننا نبقيهم لشهور أو سنين وربما عقود في انتظار تلك اللحظة التي ستنقلب فيها حياتهم رأساً على عقب».