تعوّدت كثيراً على اللاءات التي عاشت معنا بكل وداعة، فمنذ (لا تسرع يا بابا) وحتى (لا للمخدرات) وصولاً إلى (لا للفساد) مع عدد آخر من اللاءات الصغيرة الموسميّة التي تظهر هنا وهناك كلما لزم الأمر، لذا فأنا مواطن مكتمل اللاءات لكني أتساءل كثيراً عن مصير تلك اللاءات ومدى نفعها بعد أن عاشت معنا سنوات طويلة وتحوّلت إلى مجرّد ذكريات، فاللاء الأولى بالرّغم من نواياها الطيّبة إلاّ أنها ماتت من اليأس وحل محلها السيد ساهر، واللاء الثانية رغم قسوتها عندما ولدت إلاّ أن التقريرات التي نشرت أخيراً عن تهريب وترويج واستعمال المخدرات هي تقريرات مفزعة وجعلت تلك اللاء وديعة (وتكسر الخاطر) ولا أحد يهتم لها وبها، أما اللاء المولودة أخيراً فجاءت متأخّرة لكنها جاءت متفائلة وطيّبة النوايا وقويّة بارتباطها برأس الهرم لكنها تكرر خطأ أخواتها إن هي اعتمدت على قوة اللاء وحدها وبعض شعارات ترفع هنا وهناك وتنشر بحسن نيّة، فمحاربة الفساد مسؤوليّة جماعيّة وليست مقتصرة على الهيئة، بل يجب على الجميع أن يعلن حربه على الفساد وأن تكون الهيئة ملجأ الكل ومستقر شكاواهم وبلاغاتهم والتخلّي عن الروتينية التي تفسد العمل. فالقاضي الذي يقضي بين النّاس ويتلبسه (جنّي) ويفعل الكثير بالنّاس تحت تأثير الجان هذا القاضي مسؤولية مَنْ؟ والطبيب الذي يموت بين يديه عشر فتيات ويسافر قبل أن يحاكم هذا مسؤوليّة من؟ وتلك المنح التي توزّع وتبنى وتموت بالغرق ثم يقال إنها مخططات عشوائيّة مسؤولية مَنْ؟ يجب على الهيئة أن تستفيد من درس مهم جداً وهو أن كل هذا الفساد الذي اضطر الدولة إلى إنشاء هيئة لمكافحته حدث والمباحث الإدارية التي كانت وأظنّها مازالت تحارب الفساد الإداري موجودة وبكامل عافيتها لكن الأبواب المغلقة دائماً يحدث وراؤها مايحدث! ولأن الشّرق ترفع شعار (لا تتردد) لذا فها أنا أحاول أن أنقل استفهام أحد قراء الشرق على مقال سابق إذ كتب معلّقاً (ألا ترى أن هناك تناقضاً بين مكافحة الفساد من جهة والإعلام المقيّد من جهة أخرى؟) يقصد أن الرقابة على الصحافة تجعل الفساد في مأمن وتجعل الصحافة أقل جرأة في طرح بعض الموضوعات التي تحاول الهيئة مكافحتها أصلاً وبالتالي فالرّقابة على الصحافة هي نوع من أنواع الفساد هذا رأيه! يجب على الهيئة استثمار رغبة المجتمع ومؤسساته في القضاء على الفساد والتعاون الكامل مع المؤسسات الإعلاميّة حتى يتحوّل الكل إلى محارب للفساد والجهاد على مستوى أعلى لسد الثغرات القانونية الموجودة في الأجهزة الإدارية والتي ينفذ من خلالها الفاسدون إلى مآربهم. فالفساد له بيئة سرّية يعمل داخلها بصمت والنّاس والصحافة لا تتحدث إلا عن نتائجه، لذا فإن أهم قرار ممكن أن تتخذه الهيئة هو الإعلان عن مقدرتها على النفاذ إلى تلك البيئة وكشفها.