يعجبني في الأستاذِ خالد البلطان أنه جريءٌ جداً وواثقٌ من نفسِه بدرجةٍ كبيرةٍ، فتراه (يقدح) من رأسِه، ويطلقُ تصريحاتٍ لو أتت من غيره لأُزيلَ من قاموسِ الرياضةِ إلى الأبد، لكنَّه في كل مرةٍ يقول ويفعل، ويتحدى ويكسب، ويخرج بعد ما قال بأكثر مما قال، فما أكثر التصريحاتِ التي أطلقَها فاعتقدت أنَّها الأخيرة، لكنَّه يُخيِّبُ ظني حين يُتبِعُها بما هو أقوى وأعنف، حتى خُيِّل إلي أنه شخصٌ خارق، لا تقفُ حتى القوانين في وجهه، ولا لجنةُ الانضباطِ ولا بياناتُها ولا توضيحاتُها ولا تأكيداتُها، فاللجنة تؤكدُ وهو يؤكد، ويكون تأكيده هو المؤكد، فهي قد قالت إنه لن يحضرَ إلى المباراةِ النهائيةِ لكنَّه حضرَ رغم أنفها! لم أتوقع أن يكونَ جريئاً إلى درجةِ أن يقولَ: (القاماتُ لا تنحني)، فأنا من جيلِ الطيبين الذين مازالوا يصدقون أنَّ القاماتِ متساويةٌ أمام القانون، والزائد عنها يُعادُ إلى حجمِه، وأنَّه مهما بلغَ الإنسانُ من الجرأةِ والجاه والمالِ والسلطةِ فلا يمكنُ أن يصلَ به الحالُ إلى أن يتحدثَ عن القانونِ بما يشبه الازدراءَ و إخراجَ اللسان، كما أنَّ العبارةَ التي أطلقها خطيرةٌ جداً، لدرجةِ أن أنستني معنى هيبةِ النظام، بل أعادتني إلى عصرِ ما قبل الدولة، فإذا كان كل من لم يعجبه القانون سيتطاولُ عليه بدعوى أنَّ (القامات لا تنحني) و(الصفات الاعتبارية)، فلن يحترمَ القانونَ أحد، ولن يكونَ ذا قيمة، ولن يخضعَ له غيرُ الضعفاء، وإذا سقط القانونُ سقط معه كلُ شيء! ومع أني لا أجزمُ بصحةِ العقوبةِ التي أُقِرَّت على البلطان ولا يمكنني الحكمُ له أو عليه في قضيته مع رئيسِ الاتحادِ السعودي الأستاذ: أحمد عيد، غير أنِّي أستغربُ أن يتعاملَ مع العقوبةِ بهذا الاستخفافِ والتحدي، وكان من الأولى أن يستعيدَ حقوقَه عبر القنوات ِالرسمية، لا أن يقابلَ القانونَ بعُلوِّ الصوتِ وطولِ اللسان، وأعجب من هذا وذاك أن يتدخلَ الرئيسُ العام لرعايةِ الشباب الأمير نواف بن فيصل، من أجلِ المصالحةِ بينه وبين أحمد عيد! لتتمَ المصالحةُ ويحضرَ البلطان بعد ذلك، ليقولَ للناسِ: إنه (يقدحُ) من رأسه، وأن القاماتِ لا تنحني، مع العلم أني رأيتُ في نفسِ اليومِ قامةً قد انحنت وما كان لها أن تنحنيَ أبداً أبداً، في منظرٍ قد أحزن الجماهيرَ بكل أطيافها، عندما انتشرت عبر مواقعِ التواصلِ الاجتماعي صورةٌ لأعظم قائدٍ أنجبته الملاعبُ السعودية، واللاعب القدوة في الأدبِ والأخلاقِ والتضحيةِ الكابتن صالح النعيمة، وهو ينتظرُ على الرصيفِ من أجلِ أن يُسمَحَ له بالدخولِ إلى المباراةِ النهائية! فهل من المعقولِ أن يحدثَ هذا مع هذا وذاك مع ذاك! من لا يعترفُ بفضلِ النعيمة فوفاؤه بحاجة إلى إعادةِ نظر، ومن دعاه فتناساه لا يوثقُ بذوقه، وإذا كنا نتعامل مع المبدعين والمخلصين بهذا الشكل، فهل ننتظر أن يظهر من بيننا مبدعون ومخلصون! لست أدري هل يملكُ الرئيسُ العام لرعايةِ الشبابِ صلاحيةَ إلغاءِ القراراتِ الصادرةِ عن لجنةِ الانضباط؟! وإذا لم يكن له ذلك فمن سيعيد للنظامِ هيبته؟ لأنَّ عدمَ احترامِ الأنظمة يؤاخذُ عليه الإنسانُ الجاهل، فما بالك حين يأتي ممن هو على رأسِ جهةٍ رسمية، وحتى لو كانت اللجنةُ لا تملكُ صلاحيةَ إيقافِ البلطان ومنعه من الحضور، فلماذا لم يحترم القرارَ إلى أن يُحكَمَ له أو عليه؟! كيف يأتي ضارباً بقراراتِ اللجنةِ عرضَ الحائط، ثم يعبرُ عبر بوابةِ الرئيسِ العام لرعاية ِالشباب؟! فأيُ أنظمةٍ تلك التي يلغيها مجردُ مصالحة! وليت البلطان قد اكتفى بهذا المجيء وسكت، بل واصل تحديه قائلاً (القامات لا تنحني)، في مشهدٍ هو أقربُ ما يكونُ إلى عنترياتِ الشيخ فؤاد! وما دامت الأمورُ ستسيرُ بهذا الشكلِ، فلتلغَ إذن لجنةُ الانضباط، ولتستبدلْ بلجانِ إصلاحٍ اجتماعي، لنضمنَ على الأقل أنَّ جميع الرياضيين يلقون نفس المعاملة، حتى أن العاملين في هذه اللجانِّ يملكون من المعلوماتِ في الوعظِ والنصحِ والإرشادِ ما يفوق أضعاف أضعاف ما هو موجودٌ لدى المسؤولين في الرئاسةِ العامةِ لرعايةِ الشباب، ولا أدري هل أختمُ هذا المقالَ بأن أنعى إليكم النظام، أم أعتذرُ للكابتن صالح النعيمة مؤكداً له أن مكانتَه في قلوبِنا وأعيننا، وليختاروا له ما شاؤوا من أمكنة!