كلما رأى الكاتب نفسه في درجة أعلى من القارئ؛ كلما احتجنا إلى مصحات عقلية أكبر وأوسع كي نعيد ترتيب الأمور ونضعها في نصابها العاقل، ولو أخذ بعض الزملاء أدويتهم بانتظام لما بطشوا بقرائهم بهذا الشكل المستفز حينما يتواصلون معهم!! الكاتب هو قارئ في الأصل، ولكنه وجد فرصة فتحول إلى كاتب؛ نعم الأمر بهذه البساطة، ومن يقول العكس فهو يعيش في كوكب جاهلي، ويتواصل مع جهلة من نفس الفصيلة يوهمونه أنه عنترة، ولا عنترة في هذا الزمان؛ فأفيقوا يرحمكم الله. القارئ هو الجمهورية المحترمة التي يتحرك فيها الكاتب ويتقيد بإشاراتها كي يبقى على قيد (حياة)، ولولاه لما رأيتم كتباً ولا صحفاً ولا أقلام رصاص؛ فلماذا هذا النزق يا بعض الرفاق؟ لماذا تعتقدون في هذا العصر التقني أنكم وحدكم أهل الفهامة، وسدنة المعرفة.. رحم الله من عرف قدر نفسه!! قارئ واحد في هذا العصر؛ أكثر إلماماً بالتفاصيل من عشرات الكتاب لأنه يتنقل بين أشجار الكتابة بحرية، ويلتقط من ثمارها الأجود والأروع فتتسع مداركه؛ بينما يقضي الكاتب وقتاً طويلاً ومملاً في البحث عن فكرة المقال التالي، وهذا الفرق لمصلحة القارئ دون جدال. شخصياً أعتبر القارئ الذي يصحح لي ويعترض على ما أكتب هو بمنزلة أبي الذي ينصحني، وعلي أن آخذ النصيحة، وأن أعيد التفكير فيها كي أتعلم مع الأيام، وما سوى ذلك هو إصرار على الخطأ والعقوق، وفي مرحلة لاحقة قد يتحول إلى نرجسية غبية تفسد علي حياتي بأكملها. من لا يقبل تصويب قارئ أو رأيه أو حتى عتابه اللذيذ؛ فعليه أن يبقى في بيته، وأن يتفرغ لتعليم نفسه من جديد ألف باء الأدب، ولا عذر لكم أيها الرفاق أبداً حينما ترون أنفسكم فوق الجميع. القارئ هو أستاذي العظيم، وحسبي أنني أجتهد وأتجمل في حضرة أستاذي.